فمنها أنّ شُكر المنعم لا يجب عقلًا، عندنا. وعندهم، يجب. أمّا وجوبه شرعًا، فمتّفَقٌ عليه.
[حكم الأفعال الاختياريّة قبل ورود الشرع]
ومنها أنّ أفعال العقلاء لا حُكم لها قبل ورود الشرع، عندنا. وعندهم، الأفعال الاختياريّة، إِمّا حَسَنٌ بالعقل، أو قبيحٌ، أو ما لم يَنصّ فيه العقلُ بحُسنٍ ولا بقبحٍ.
والأوّل واجبٌ، أو مندوبٌ، أو مباحٌ. والثانى حرامٌ، أو مكروهٌ. والثالث، هل هو واجبٌ، أو مباحٌ، أو على الوقف؟ هم فيه ثلاث فِرَقٍ. أمّا الأفعال الاضطراريّة، كالتنفّس ونحوه، فحَسَنةٌ، قولًا واحدًا.
[تكليف ما لا يُطاق]
ومنها مسألة تكليف ما لا يُطاق. وبعضهم يترجمها بالتكليف بالمحال؛ وله يُستعمَل، لأنّه أخصّ. ويُحتاج إِلى تحقيق الكلام فيها، لأنّ لها فروعًا متعدّدةً؛ فهي أصلٌ لها. وإِن كانت فرعًا للتحسين والتقبيح، فهي أصلٌ وَسَطٌ، كالأفرُع المتوسّطة، كالحيوان بين الجسم النامى والإِنسان.
فنقول: اعلم أنّ المعلوم إِما ممكنٌ، أو واجبٌ، أو ممتنعٌ. فالممكن ما استوت نسبتهُ إِلى الوجود والعدم؛ فيَحتاج في وجوده إِلى مرجِّحٍ ومخصِّصٍ. والواجب ما ترجَّح وجودُه على عدمه. والممتنع ما ترجَّح عدمُه على وجوده. ثمّ كلّ واحدٍ من الواجب والممتنع، إِمّا أن يكون وجوبُه أو امتناعُه لذاته، أو لغيره. فالواجب لذاته ما لم يقف وجودُه على سببٍ خارجٍ عن ذاته؛ كسائر الموجودات حالً وجودها. والممتنع لذاته، كالجمع بين الضدّين. والممتنع لغير نحوُ كلِّ ما عَلِم اللهُ سبحانه أنّه لا يوجَد؛ كإِيمان مَن عَلم أنّه يموت كافرًا، وهو المثال المشهور في هذا الباب.