قومٌ، ومنَعه آخرون. وأجاز قومٌ التكليفَ بالثاني دون الأوّل. وحُكي عن أبي إِسحق أنّ التكليف نوعان: تكليف طلَبٍ واقتضاءٍ، وهو فيما لا يُطاق محالٌ وخروجٌ عن الحكمة؛ وتكليف تسخيرٍ وتعجيزٍ، يعني نحو قوله:{كونوا قردة}، {كونوا حجارة أو حديدا}؛ فهو جائزٌ عقلًا. قلتُ: وقوله داخلٌ في الأقوال المذكورة؛ وإِنما حكيناه لما فيه من التفصيل.
وذكر [أبو الحَسن] الأشعريّ وأكثرُ أصحابه على جواز تكليف المحال وجوهًا. أحدها أنّ أفعال العباد مخلوقةٌ لله، كما سيأتى مذهبُه فيه. وهم مكلَّفون بإيقاعها، كالصلاة وسائر العبادات؛ وذلك تحصيلُ الحاصل؛ وهو محالٌ.
الثاني أنّ القدرةَ الحادثةَ مع المقدور؛ وهو مكلَّلفٌ به قبلَ إِيقاعه؛ ولا معنى لتكليف المحال إِلاّ التكليف بما لا قدرة للمكلَّلف عليه. قلتُ: المعتزلة يمنعون المقدّمتين الأوُليين من هاتين الحجّتين.
الثالث: عند معتزلة بغداد أنّ الختم والطبع مانعان من الإِيمان، مع أنّ المطبوع على قلبِه مأمورٌ به. وهو تكليفٌ مع عدم القدرة. قلتُ: إِن صحّ هذا عن معتزلة بغداد، فجمهور المعتزلة على أنّ الطبع والختم تسميةُ العبدِ مطبوعًا ومختومًا على قلبه؛ وهو لا يمنع الإِيمانَ عندهم. ومن أدلّة السمع، قولُه تعالى:{ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}. ولولا جوازه، لما استعاذوا منه؛ إِذ الاستعاذة من المحال محالٌ. والخصم يتأوّل الآية على ما فيه كلفةٌ ومشقّةٌ. ثمّ هي معارَضةٌ بقوله تعالى في صدر هذه الآية بعينها، وفي غير موضعٍ من القرآن:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.