للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنّ الحقّ في نفس الأمرِ لله، زجرًا عن انتهاك محارمِه، أو جبرًا لما قهر من عباداته، أو استصلاحًا لعباده. وإِنما الفقراء مصرفٌ له.

وأمّا أنّ كلّ مّن أقّر بحق، لَزِمَه مقتضى إِقراره، فللإجماع على ذلك من الأقارير بالأموال والحدود والأنساب وغيرها من الأحكام.

فثبت بما ذكرنا أنّ ما ذَكَرَه من قاعدة المقدَّررات واهيةٌ، وأنّ الكفّارة في المسائل الثلاث التي ذكرناه ثابتةٌ، وأنَه إِنما أُتِى من النزوع إِلى التحسين والتقبيح، وقد صرَّح بلفظه فيها، حيث قال: "كلّ ما حَكَمَ بوجوبه الشرعُ، لابدّ وأن يُحكَمَ بوجود المصلحة فيه قطعًا. ولا يجوز إِيجابُه مع تَوهُّم انعدامِه. لأنّ في ذلك إيجابَ ما يُتوهَّم فيه المضرّةُ والمفسدة؛ والاحترازُ عن الضرر الموهوم واجبٌ؛ وإِيجاب ذلك قبيحٌ". هذه عبارته. والله أعلم.

[ومنها قاعدته في الأنكحة]

وحاصل ما قرّرها به أنّ النكاح تَضمَّن، أو استَلزَم، معنًى تجِب إِقامتُه. لأنّه ثبت مع وجودِ المنافي. فلو لم يتضمّن ذلك المعنى، لم يجب مع وجود المنافي.

أمّا أنّه ثبت مع وجود المنافي، فلأنّ النكاح رِقُّ ومُلكٌ؛ لقوله عليه السلام، "النكاحُ رقُّ". ولئن نوقِشنا في عبارة "الملك والرقّ"، قلنا: هو إِثبات ولايةٍ على المرأة، واختصاصٌ بها، تُنافيه حرّيّتُها؛ لأنّ الحرّيّة تُنبِئ عن الخلوص لفظَا؛ وهي كذلك عقلًا وشرعًا، مِن حيث إنّ الله سبحانه خَلَقَ لإِقامة عباداته وتوحيده. ولن يتمكّن الإِنسان من ذلك إِلاّ إِذا اختصّ بنفسه، وانتفى عنه اختصاصُ الغيرِ به، ولأنّ الإِنسانيّة بأصلخا تقتضي الكرامةَ والاستقلالَ، فثُبوت الرقّ والملكِ والاختصاصِ يُنافي ذلك.

وأمّا أنّ ثبوته مع المنافى يقتضي أنّه تضَّمنَ، أو استَلزَم، معنًى تجب إِقامتُه، فلأنّه لو لم يكن كذلك، لَما كان إطلاقُه أولى من حظرِه.

قلتُ: هكذا قال في تقرير هذه المقدّمة. ولها تقريرٌ أقوى وأوضح من هذا. وهو أنّ الشيء مع منافيه لا يجتمعان عقلًا؛ وكذلك لا يجتمعان شرعًا، إِلاّ لمصلحةٍ راجحةٍ على مصلحة الندب، كما سبق تقريره له؛ وليس إِلاّ الواجب.

<<  <   >  >>