فمنها قوله تعالى:{والله غالبٌ على أمره}. وهو معنى قوله:{إن الله بالغ أمره}. ومعنى ذلك أنّه أراد شيئًا، كان. وقد بيّنّا أنّ مراده ومقدوره لابّد وأن يطابِق معلومَه السابق، لئلا يَتناقض مقتضَى صفاته الذاتيّة. وذلك يقتضي ما قلناه من [أنّ] تقدير الأفعال وخلقه أطبق معلومه.
ومنها قوله تعالى:{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء}. وإِنما صَرَف ذلك عنه بإِظهار البرهان وخلقِ دواعي التركِ.
وقد أخبرني بعضُ مَن أثقِ به عن بعض مَن يَثِق به أنّه قال:"تعلَّقتُ امرأةً. فلم أَزَل بها، حتى حصّلتُها في البيت. وقَعَدتُ منها مقعدَ الرجلِ مِن إمرأته، وتلقاءَ وجهي رآةٌ لأهلي. فعَرَضَ لي أن نَظَرتُ إِلى المرآة؛ فإِذا صورتي صورة خنزيرٍ "قال: "فتركتُ ما أنا فيه، ووقعتُ مغشيًا علىّ. فلم استيقظ إِلاّ والمرأة قد ذَهَبت، وقد صار أهلي حولي، وكانوا غُيبًا".
قلتُ فكما يَصرِف عن بعض خلقِه الفحشاء بهذه الدواعي والبراهين. وليس ذلك واجبًا عليه، كذلك يوقِع بعضَهم فيها بخلقِ دواعيها وتركِ ما يَردَع عنها. وليس ذلك مستقبحًا منه. والله أعلم.
ومنها قوله، حكايةً عن يوسف:{وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إلين}، إِلى قوله:{فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن}. فصَرح يوسفُ بأنّ الله سبحانه إِن لم يَصرف عنه كيدَهن، وقَعَ فيه. لا يقال:"الآية حجّةٌ عليكم، لأنّه قال: "إِن لا تَصرِف عني، أَصبُ"؛ فَنسَبَ الصُبوَّ إِلى نفسه؛ وهو مرادنا"؛ لأنّا نقول: إِنما نَسَبَ الصُبوَّ إِلى نفسه مِن حيث هو كسبٌ له، على ما سبق في تفسير الكسبِ. ونحن لا ننكرِ ذلك. لا أنّه ادعاه خلقًأ؛ إِذا لو كان خلقًا له باختياره، لما كان لِصَرفِ اللهِ وعدمه فيه تأثيرٌ. وما يَدعونه من إِعانه الله ولطفِه تموويهٌ راجعٌ إِلى حقيقة ما نقوله نحن.