للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك، مع أنّه هو الذي ساق لهم سببَ الانفضاضِ، وهو العِير القادمة من الشام بالمسيرة، وخَلَقَ فيهم داعي الانفضاض إِليها. وكذلك فَعَلَ في الكافر والعاصي سواءً؛ قَيَّض له سببَ المعصيةِ، وخَلَق فيها داعيها؛ فلا جرم وقعت منه، وإِن هي إِلاّ فِتنَتُك. نسأل الله عصمةً منه تحول بيننا وبين ما يَكره.

[سورة المنافقين]

فمنها قوله سبحانه: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفاسقين}. والاستدلال بها كما سبق. ولا أثر لسببيّة الفسق؛ لأنّه بقدره أيضًا.

[سورة التغابن]

فمنها قوله تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}. يَحتمِل هذا تقديرين: أحدهما: "خلَقَكم كافرين ومؤمنين"، أي على هذه الحال. وهى، على هذا التقدير، النزاعُ بينا وبين الخصم. فنحن نقول: "فمنك كافرٌ ومؤمنٌ يخلق اللهُ فيه الكفَر والإِيمانَ". وهم يقولون: "فمنكم كافرٌ، أي آتٍ بالكفر، ومؤمنٌ، أي آتٍ بالإِيمان بدليل قوله: {والله بمات عملون بصير}، أضاف العملَ إِليهم". ومعنى الكلام عندهم أنّ الله يَفضَل على خلقِه بالإِيجاد؛ فكان يجب عليهم النظرُ الصحيح؛ ولكنّهم تفرّقوا؛ ففعل الكفَارُ في أنفسهم الكفرَ.

ثمّ أورد الزمخشريُّ على نفسه السؤالَ الذي قد يكون إِيراده فيما سبق من هذا الكتاب. وهو أنّ الله خَلَقَ هؤلاء، مع عِلمِه أنْ سيَكفُرون؛ وخَلْقُ القبيحِ وخَلقُ فاعلِه سِيانِ في القُبحِ. كواهب سيفٍ لقطعِ الطريق؛ فإِنّه وقاطعُ الطريقِ سِيَّانِ في استحقاق أصل القبحِ. وأجاب بأنّ الله سبحانه حكيمٌ. وجَهلُنا بالحكمةِ في خلقِهم لا يَقدًحُ في

<<  <   >  >>