وحاصل الأمرِ أنّ أفعال الله سبحانه كذاته وصفاته. فكما أنّ لا تُشبِه الذوات، وصفاته لا تُشبِه الصفات، فإِذا قال قائلٌ:"ذاته جسمٌ، أو عِلمُه عَرَضٌ؛ لأنّا ما وَجَدنا ذاتًا ولا صفةً إِلاّ كذلك"، قلنا له: أخطأتَ! ذاتُ الله لا تُقاس بالذوات، وصفاته ولا تُقاس بالصفات، فكذلك إِذا قال:"أفعال الله علاجيّةٌ، أو مباشرةٌ، أو معلَّلةٌ، أو من الواجب أنّه إِذا فَعلَل شيئًا، لا يلوم عليه، أو إِذا خَلَق في عبدِ فعلًا، لا يَنسِب ذم ذلك الفعل إِليه". نقول له: أخطأت! أفعال الله لا تُقاس بالأفعال.
فإن قال:"يَلزَم من مخالَفة أفعالِه أفعالَ غيره في ذلك التجويرُ"، قلنا: فلَيلزم من إِثبات ذاتِه مخالِفةً لذواتنا، وإِن لم نَعلم حقيقتَها وكُنهَها، كذلك نُثِبتُ عدلَه مخالفًا للعدل فيما بيننا، وإِن لم نَعلم وجهًه. ألا تَرى أنّ الخِضر عبدٌ من عباد الله، اختُصَّ على موسى بمسائل من مكنون غيب الله، طاش لها موسى، ولم يَصبر لها، حتى كان منه ما قصَّه علينا القرآنُ، ثمّ، لَمَّا ظهرَت له حكمةُ ذلك، خَضَع لعلمِ اللهِ، وبكى على مفارَقة الخضر؛ إِذ لم يَزدَد من عِلمِه. فإِذا كان مخلوقٌ تخفَى عنه حكمةُ مخلوقٍ، حتى يَظنَها ظلمًا وجورًا وعبثًا، فما الظنُّ بالمخلوق بالإضافة إِلى حكمة الله! فمن الجائز أنّ الناس إِذا صاروا إِلى الله، بيَّن لهم بالضرورة أنّ حُكمَه في مسألة القدَر، على رأي أهل السنّة، حِكمةٌ وعدلٌ؛ ويبدو للقدريّة من الله ما لم يكونوا يحتسبون، ويتبيًّن لهم أنّ عقولهم كانت عن دِركِ الحكمةِ في ذلك معقولةً، وألبابهم في ساحةِ حضرةِ العلمِ إِلى خارج الباب منقولةٌ. وسيأتي تقريرُ ذلك وبيانَه على وجهٍ جليِّ.
فهذا القدر من التوجيه الساذج يكفي مَن نَوَّرَ اللهُ بصيرتَه واستَمسَك بعُصُمِ الكتاب والسنّ الآتي ذِكرُ نصوصهم، إِن شاء الله، ورَغِب بدينه وعقلِه عن تكلُّف سماعِ الشُّبَهِ الشيطانيّة وأجوبتها. أمّا من أحبّ الوقوفَ على ذلك وكيفيّةِ إِبطال شُبَه الخصوم، فيَظهر له ذلك بإِيراد شُبَه المعتزلة وأجوبتها مناقَضةً وإِلزامًا. وأنا أذكرها معقِّبًا كلَّ شُبهةٍ بجوانبها؛ لأنّه أسهل على الناظر، كما فَعلتُ في شُبَههم في التحسين والتقبيح وأجوبتها. فأقول، وبالله التوفيق: