والجواب عن آي الكتاب أنها راجعةٌ إِلى الكسبِ؛ أو أنّ خَلْق اللهِ للمعاصي جُعِل أَمارةً على توجُّهِ اللومِ والتوبيخِ إِليهم، بناءً على تكليف ما لا يطاق، كما سبق.
ثمّ هي معارَضةٌ بأكثر منها، مّما يَدُلّ على أنّ أفعال العبادِ مخلوقةٌ مقدورةٌ مقضِيُةٌ له سبحانه، كما سنورده، إِن شاء الله.
أمّا قوله، {أحسن الخالقين}، فسبق أنّ المراد "المصوِّرين"، أو "المقدِّرين"، أو على زعمِكم.
وأمّا الأحاديث، فالمراد "بالأعمال" فيها الاكتِساب أيضًا. ثمّ إِنّ الحديث الأوّل حجّةٌ لنا؛ لأنّه قال:"كلُّ ميسِّرٌ لما خُلِق له". فدَل على أنّ الله سبحانه خَلَق كلَّ عبدٍ لشيءٍ، مِن طاعةٍ أو معصيةٍ، وكفرٍ أو إِيمانٍ، وجنّةٍ أو نارٍ؛ وأنّه إِنما يَصير إِلى ذلك بتيسير اللهِ له، وهو خَلقُ الداعي المرجِّح له، وإِيجادُ شروطِ وقوعِه، ونفيُ الصوارفِ عنه. وقد سَلَّمتم أنّ الفعل يجب عقيب ذلك؛ فصار فِعلُ العبدِ دائرًا مع إِرادة الله وخَلقِه الداعى إِليه وجودًا وعدمًا. ولا معنى للفاعل الموجِد إِلاّ ذلك. وبه احتَجَّ أبو الحسين في أحد وجوهِه الضروريّة على أنّ العبد موجِدٌ لفِعله.
وأمّا الحديث الثاني، فإِنّه أضاف فيه النيّة إِلى المؤمن، كما أضاف إِليه العملَ. ثمّ النيّة هي القصد والإِدارة. وإِدارة الإِنسان وقصده ليسا مخلوقَين له، باتّفاقٍ؛ فكذلك العمل.
على أنّ على رأي القاضي أبى بكرٍ في أنّ ذات الفعل واقعةٌ بقدرة الله سبحانه، وصفتَه من طاعةٍ ومعصيةٍ بقدرة العبد، يَندفع عنّا إِشكالُ الآيات والأحاديث، ولا يُخرِجنا عن رأينا؛ لأنّ النزاع معهم في ذات الفعل وصفته. فإذا سَلَّمنا لهم أنّ صفة الفعلِ بقدرة العبد، بقي النزاعُ في ذاته كما كان.
وأمّا ما ذكروه مِن الإِجماع، فقد سبق جوابُه في مقدِّمات المسألة، في أنّ الله