للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإِذا اتّضَح أنّه للاختلاف، فقد جَعَل لهم السبيلَ إِلى ما خَلَقَهم له. فأمّا قَسرُهم على السعادة والشقاء، فذاك مِن حسث القدرة والإِدارة، لا من حيث الأمر والنهى.

وقد رَوى عبد الرزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: "الجبّار جَبَرَ خَلقَه على ما شاء". قلتُ: يُريد مِن الجهة التي ذكرناها.

فإِن قيل: "هذا تصريحٌ بالجبر"، قلنا: هو من جهة التَصرُّفِ الكونيّ لازمٌ لأهل السنّة، لا يَنفَضُّون عنه، ولو استغاثوا بالجنّ والإِنس ومَن سِوى الله! وأمّا مِن جهة التَصرُّف الأمريّ التكليفيّ، فهم أهل عدلٍ وقسطٍ، يَقطَعون السارقَ، ويَرجمون الزاني، ويَقتُلون القاتلَ؛ وبالجملة يقيمون إِليه بَعدُ بما يَحتاج إِليه من المصالح. وقد بَيّنّا أنّه لا تَنافى بين التَصرُّفين، وأنّ الجَور غير لازمٍ، لقيام الفَرق بين الصورتين.

وأمّا قوله: {فطرت الله التي فطر الناس عليها}، فرَوى عبد الرزّاق، عن معمرٍ، عن الحَسَن، أنّه كان يقول: "فطرةُ اللهِ الإسلامُ". وهو منافٍ لِما نَسَبَه السائلُ إِلى الحَسَن، مِن الاحتجاج بالفطرة. لأنّ مُراده "بالفطرة" أنّ الله تعالى فَطَرَ خلقَه عن الهُدى، أي أَلهَمهم إِيّاه، وجَعَله غريزةٌ لهم؛ ولكنّهم ضَلّوا أنفسَهم. وتفسير "الفطرةِ" بالإسلام يُنافي ذلك؛ لأنّ الناس ما دَخلوه إِلاّ بالسيف؛ فكيف يكون معلومًا بالضرورة والبديهة، مركوزًا في الجِبِلَّة والغريزةِ؟ وقد سبق تقرير المعتزلة أنّ مِن شرائع الإِسلام ما لا يُدرك للعقلِ حُسنُه ولا قُبحُه، فحيتاج إِلى توقيف الشرعِ. وحينئذٍ، يكون اللهُ سبحانه قد أَمَرَ نبيَّه بإِقامة الإِسلام؛ فساعَدَه ومَن تابَعه التوفيقُ، فأقاموه، وباعَدَ غيرَهم الخذلانُ عنه، فأضعوه وأناموه. فالأوّل بفضلِ اللهِ، والثاني بقدر الله، سبحانه وتعالى عن أن يُنسّب إِلى الجور، أو يُضاف إِليه الجور بعد الكوْر، وجلَّ أن يتطرق إِليه العجزُ، أو يَتَردَّى عنه رداءُ العظمةِ والعزّ.

قوله، "وكيف يَبتَلِي إِبليسَ بالسجود لآدم؛ فإِذا عَصَى، يقول: {اهبط منها}،

<<  <   >  >>