قوله، "إِنّ الله تعالى رَدَّ قولَ الكافرِ يوم القيامة، {لو أن الله هدانى لكنت من المتقين} بقوله: {بلى قد جائتك آياتى فكذبت بها}، الآية. فلو قامعذرُه بأنّ الله لم يهدِه، لم يُكَذِّبه".قلنا: التكذب وَقَعَ لدعواه أنّ الله لم يَهدِه؛ ولا شكّ أنّه كَذِبٌ باعتبار أحدِ معنَيى "الهُدى" اللَذين قَرَّرناهما قَبلُ، وهو الإِرشاد إِلى طريق الحقِّ. فإِنّ الله أَرشَده إِلى ذلك بالرسل والكتب وإِظهار المعجزات؛ فوَقَعَ تكذيبُه بهذا الاعتبار. وإِنما وَقَعَ منه التقصيرُ مستنِدًا إِلى القضاء والتقدير مِن العزيز القدير. أمّا "الهُدى" بالمعنى الآخرَ الذي يَصحَب الإِنسانَ فيه خفيرُ التوفيق، فلم يحصل له، ولا هو واجِبٌ على أحد المجملّن. ولعلّه الذي أراده الكافر نَفَى الهُدى نفيًا مجمَلًا؛ فخَرَج التكذيبُ له على أحد المجملَين. ولعلّه الذي أراده الكافرُ؛ لأنّه لم يرَ الرسلَ والكتبَ تَهدِي. وأمّا المجمل الآخَر، فلم يكن يَعترِف به.
قوله، "ولَمَّا قالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}، أكذَبهم اللهُ، فقال:{كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا}؛ فنعوذ بالله مِمَّن أَلحَقَ الكذبَ بالله". قلتُ: الوارد في القرآن مِن هذا الباب فيما أَستحضِر ثلاثُ آياتٍ: في الأنعام: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءكذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا}؛ وفي النحل:{وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم}؛ وفي الزخرف:{وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون}.
وليس تكذيبهم في هذه الآيات لكونهم أَضافوا إِشركاهم إِلى مشيئة الله، أو امتناعَهم إِلى امتناع مشيئة الله ضدّه، وهو الإِيمان واتوحيد؛ لأنّه لو كَذَّبهم لأجل ذلك، لاقتَضَى