ومِن باب الحُكمِ بالعلم، ما قاله بعضُ أصحابنا في الساحر يُقتل، قال:"لأنّه صار له قدرةٌ على أذى الناس في أموالهم وأنفسهم وحريمهم؛ والشهوات تحمله على ذلك؛ فصار كالكلب العقور، يُقتَل لتَهَيُّئه لأذى الناسِ". وهو توجيهٌ حَسنٌ.
فأمّا خلقُه الأفعالَ فيهم، ثمّ يعاقبهم، فلِما قرّرناه مِن أنّه علِمَ استحقاقَهم لذلك لو تَرَكَهم باختارهم. فلمّا استوى حالُ الاضطرارِ والاختيارِ، غَلَّب الأوّلَ، محافَظةً على رسمِ القدرةِ وكمالِ التصرُّف.
قوله، "لكنّه رؤوفٌ رحيمٌ". قلنا: رأفته ورحمته لا تنافى تصرُّفه في خلقِه التصرُّفَ الكونيّ الاستقلاليّ. أمّا التصرُّف التكليفيّ، فلم يعاقَب فيه أحدٌ، إِلاّ بحجّةٍ بالغةٍ.
ومّما يوضِّح إِثباتَ التصريفين المذكورين، وعليهما مدارُ مناظَرَتنا للقدريّة، هو أنّ بين الله سبحانه وبين عباده قدْرًا مشتركًا، وهو الوجود؛ إِذ كل موجودٌ. وقد قَسَّمَ المتكلّمون الموجودَ إِلى قديمٍ ومحدثٍ. وله سبحانه خاصّةٌ ليست لبعاده، وهي الإِلهيّة. فباعتبارِ القدْرِ المشترَك، وهو الوجود، ثَبَتَ التَصرُّف المشتَركُ، وهو التصرّف الخطابيّ التكليفيّ؛ كقوله سبحانه، {أقيموا الصلاة}، {ولا تقربوا الزنى}؛ وقولِ أحدِنا لعبده، "قُمْ! " و"لا تخرُج! " وباعتبار خاصّة الإِلهيّة، اختصّ الله سبحانه بالتَصرُّف الإِيجادي الكونيّ؛ وقد فُهِم هذا مّما قرّرنا قبلُ.
وقد بقي في الرسالة كلماتٌ، الجواب عنها معلومٌ مّما قرّرنا في جواب ما سبق منها. ومّن حقّق ما ذكرناه في جواب هذه الرسالة، راح عنه الباطلُ، وحلّ بوادٍ مِن الحقِّ غيرِ ما حلٍ.