للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وزين لهم الشيطان أعمالهم}؛ فيكون ذلك تزيينًا من الله بواسطة الشيطان؛ وهو من جملة الأسباب التي تُخلَق الأفعالُ عندها. وإِذا كان الله هو الذي يُزيِّن حبَّ الشهوات، فالمعاصي واقعةٌ حبّها ضرورةً؛ ولقوله عليه السلام، "حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئةٍ".

ومنها قوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلا لمن اتبع دينكم قل إن الهدى هدى الله}. ونظيرها في البقرة: {قل إن هدى الله هو الهدى}. فظاهر الآيتين حجّةٌ في الباب؛ إِذ تقديره أنّ الهدى الكامل الذي يَتعقّبه الاهتداءُ هو هُدى اللهِ الذي يُصاحِبه التوفيقُ. ويحتمل أنّ المراد بهما أنّ الدين الحقّ الصحيح هو دين اللهِ الذي هدى اللهُ إِليه. وهو الأظهر؛ لورود الآيتين في سياق محاولة أهل الكتاب متابَعة المسلمين لهم على دينهم.

ومنها قوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبر الدين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}. ونظيرها قوله: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا}، وقوله قَبلُ: {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم}، "وقوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}. كلّ هذه الآيات من بابٍ واحدٍ. والاستدلال بالآية الأَولى أظهرُ. ووجهه أنهم لو كانوا مستقلّين بإِيجاد أفعالهم، لاستقلّوا ببروزهم إِلى مضاجعهم؛ لأّنه مِن أفعالهم. ولو استقلّوا به، لأمكنهم فعلُه وتركُه على جهة الاختيار. ولو صحّ ذلك، لما استَلزَم كَتْبُ اللهِ القتلَ عليهم خروجَهم إِلى مضاجعهم؛ لجواز أن يَكتبه هو، ويأبْوه هم. فلمّا استَلزَم كتبُ القتلِ عليهم بروزَهم له، دلّ على أنهم مضطرّون إِليه، لا مختارون. وإِذا ثبت اضطرارُهم في هذا

<<  <   >  >>