للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الله. فظاهر الآيةِ حجّةٌ في الباب. لأنّ "سَيئة" فَيْعِلَةٌ، مِن "ساء يَسُوء"، وهي من سياق الشرط؛ فيَقتضي العمومَ، ويَتناول كلّ ما ساء؛ فيَدخل فيه الكفرُ والمعاصي. وكذلك الحسنة تتناول الإِيمانَ وسائرَ الطاعات. وقد أخبر الله سبحانه أنّ ذلك كلّه من عنده، أي بإِرادته وقضائه وقدرته. لكن قد قيل إنّ المراد "بالسيّئة" الجَدبُ والغَلاءٌ. وقيل: القتل والهزيمة؛ والحسنة ضدّ ذلك. وهو مقتضَى سببِ الآية وسياقها، وإِن كان خلافَ ظاهرِها وعمومِ لفظِها. فعلى هذا، ليست من حجج الباب. وقد سيق بعض الكلام فيها. ووجه الجمع بينها وبين قوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. وبالغ في إِنكارِ ذلك عليهم، حيث قال: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.

ومنها قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين والله بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا}. وفيها على المكلوب ثلاثة أدلةٍ. أحدها:

قوله، {والله أركسهم}؛ وهم قومٌ آمنوا، لمّ رجعوا عن الجهاد مع رسول الله. فاختَلَف الصحابةُ؛ فقال بعضُهم: "هم منافقون"؛ وقال بعضهم: "ليسوا منافقين". فنزلت الآية، وأخبر اللهُ أنّه هو أركسهم؛ أي "رَدَّهم". ومنه سُمى الرَجيعُ" رِكسَا".

الثاني: قوله: {أتريدون أن تهدوا من أضل الله}. نسب سبحانه الإضلالَ إِليه، كما نَسَب الهدى إِليه في غير موضعٍ. وحاول الزمخشريّ الخلاصَ من هذه بأن قال: {من أضل الله}، أي "جَعَلَه من جملَة الضُلاّل، وحَكَمَ عليه بذلك"، أو "خَذَلَه حتى ضَل". وهيهات لات حين مناص! أمّا حملُها على الحكم بالضلال، فخلاف

<<  <   >  >>