هذا المكان ونحوه بأنّ المراد "يهدي إِليه مّن عَلِم أنّه لو تَرَكَه واختيارَه، لكان مُنيبًا"، وقد سبق تقريره. ثمّ نقول: إِن رَتَّب الهدايةَ على الإِنابة، فقد رتّب الاستدلالَ على المشيئة المجرّدة؛ وهو المطلوب.
ومنها قوله سبحانه:{أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا}. وقد سبق نظيرها في سورة يونس وهودٍ عليهما السلام.
ومنها قوله سبحانه:{بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد}. فهذه الجملة كلّها نصوص المقصودِ. إِذ تضمّنَن تزيينَ المكر لهم؛ والمزيِّنُ لهم إِمّا الله، وإِمّا الشيطان، بتقديرِ اللهِ كما سبق. وأنهم صَدُّوا عن السبيل؛ والكلام في الصَدِّ كالتزيين. وأنّ مَن يُضللِه اللهُ فما له من هادٍ، كما سبق في الأعراف، ويأتي في الكهف، إِن شاء الله تعالى.
ومنها قوله سبحانه:{يمحو الله ما يشاء ويثبت}. هذه مِن شُبَه المسألةِ؛ وليست قاطعةٌ فيها. لأنّ جنس ما يمحوه ويُثبِته ليس مبنيًا فيها؛ لجواز أنّه يمحو ما يشاء ويُثبت مِن الأرزاق والآجال، أو القرآن نسخًا وحكامًا لكن قد رُوىَ في تأويلها آثارٌ عن السلف، تدلّ على المقصود. فروى عبد الرزّاق، عن الثوريّ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله:{يمحو الله ما يشاء ويثبت}، قال:"إلاّ الشقاء والسعادة والحياة والموت". قلتُ: يعني أنّ هذه الأشياء معلومةٌ عنده، سبق بها علمُه، ونفذَت فيها مشيئتُه، فلا تتغيّر.
ورَوى عن عن معمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سُئل ابن عبّاسٍ عن "أمّ الكتاب"،