التكذيب بحرفٍ منه كالتكذيب بجميعه. ومّما جاء به الرسولُ أنهم لا يؤمنون؛ وهم مأمورون بالإِيمان به. هذا تقرير الدليل التفصيليّ من الطرفين.
أمّا المأخذ الإِجماليّ المختصَر، فهو أنّ الغرَض من التكليف تحصيلُ الفعلِ المكلَّف به، أو جَعلُ عدمِه أمارةً على العقاب، ووجوده أمارةً على الثواب. فمَن قال بالأوّل، مَنَع التكليفَ بالمحال لذاته؛ لأنّ تحصيلَه ملزومٌ لتصوُّر وجودِه. وإِذا انتفى اللازمُ، استحال وجودُ الملزومِ، وقَبُحَ طلبُه؛ لأنّ السيّد لو قال لعبده:"اجمَعْ بين الحركة والسكون! " أو "بين قيامِك وقعودِك في وقتٍ واحدٍ! " لكان له أن يقول "كلَّفني ما أقدِرُ عليه، حتى أُطيعك. أمّا هذا، فليس داخلًا تحت مقدوري"
ومَن قال بالثاني، أجاز التكليفَ بالمحال. إِذ لا يمتنع من الله سبحانه أن يجعل عدمَه أمارةً على ذمِّ المكلَّف ةعقابه، كما جعل وجودَ التكاليف الممكنة أمارةً على مدحه وثوابه، وإِن كانت عندنا واجبةَ الوقوع بفعل الله تعالى. وأكثر ما يقال على هذا:"إنّه جوَّز على المكلَّف أن يعاقَب من غير عصيانٍ". لكنّ هذا يندفِع بأنّ لله سبحانه أن يًحكُم بعلمه في خلقه. فيَجُوز أن يَجعل ذلك أمارةً على عقابِ مَن عَلِمَ منه أنّه يَستحِقُّ العقابَ، لسوءِ اعتقادٍ، أو نِيّةٍ، أو خُبث سريرةٍ وطويةٍ، أو مجرّد إِرادةٍ لذلك. وقد دلّ على هذا قولُه عليه السلام في أطفال الكفار، "الله أعلم بما كانوا عاملين". فإنّه تصريحٌ بالحُكم عليهم بسابقِ العلم فيهم. فكذا ها هنا، وأَولى.
قلتُ: تقرير هذا المأخذ ينبني على أصلين. أحدهما أنّ الغرض من التكليف تحصيلُ الفعلِ، ليترتّب العقابُ على تركه، أو جعله أمارةً على الجزاء؟ الثانى أنّ الأعمال أماراتٌ على الجزاءِ معرفاتٌ، أو عللٌ موجِباتٌ؟ والأصلان مختلَفٌ فيهما بيننا وبين المعتزلة. فكل بَنى فرعَه على أصله.
أمّا النزاع في جواز التكليف بالمحال لغيره، فمأخذه أنّ ما عَلِمَ اللهُ تعالى أنّه لا يكون، هل هو مقدورٌ له، أم لا؟ ذهب عبّاد بن سليمان إِلى أنّه غير مقدورٍ. وخالَفَه