أصلًا. ولأنّ الآية مكتَنَفةٌ بذكرِ الكفّار والمشركين؛ فدلّ على أنّ العبادة المذكورة ما يُناقض ذلك، وهو الإِيمان والتوحيد. أما قبلّها، فقولُه بعد ذِكِرِ قوم نوحٍ وموسى وغيرهم، {ولا تجعلوا مع الله إلها آخر}، ما بعدها إِلى الآية المذكورة. وأمّا بعدها، فقولُه، {فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون}. وعلى هذا التقدير، لا تتناول الآيةُ محلَّ النزاعِ. واعلم أنّ هذا، وإِن كان له اتجاهٌ، إِلاّ إِنّ لفظ "العبادة" نصٌ في مجلولها؛ فحَملُه على التوحيد وفروعه أَولى.
الموضع الثالث: قولُه، "عيَّنَ اللهُ سبحانه للعبادات أوقاتًا لُطفًا بهم ورِفقًا". فيًقال له: إِنّ الله سبحانه كريمٌ. والكريم إِذا وَهَب شيئًا، لا يَعود فيه. وعلى رأيك، قد وَهَب لهم بعضَ الزمنِ لمعاشهم والسعي في مصالحهم؛ ثمّ عاد فيه، حيثُ أَوجَب النفلَ بالشروع.
فإِن قيل:"إِنما يَقيُح الرجوعُ في الهِبة، إِذا كانت مطلقةً. وعندي، وإِنما وَهَب لهم بعضَ الزمن بشرط استغراق حاجاتهم إِليه لمعاشهم. والتَلَبُّس بالنفل دلّ على عدم ذلك الاستغراق. فانتفى شرطُ الهبة في ذلك الزمان؛ فعاد إِلى مستحِقِّه. ثمّ ما ذكرتموه لازمٌ في النَذر؛ وهو محلُّ وفاقٍ".
فالجواب أنّ ما ذكرتموه من الشرط محلُّ النزاع. وقد اتَّفقنا على الهبة؛ والأصل فيها الإطلاق. ثمّ الهبة بشرطٍ لا تصحُّ فيما بيننا. فكيف يفعلها اللهُ سبحانه، وهو أكرم الأكرمين، وأحكم الحكماء! وشأن الحكيم أن لا يَفعل فِعلًا إِلاّ محض الصحّة.
ولو سَلَّمنا أنها بشرطٍ، كما ذكرتم، لكن مع ذلك التكرُّم يأتي الرجوع. ألا ترى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اشترى من جابرٍ بعيرًا، ووفّاه ثمنَه، ثّم قال:"هو لك والدنانير"؛ مع أنّه كان له الرجوع فيها، لأنّه بَدَّلها بشرطِ حصول عِوَضٍ؛ ولم يحصل. وكذلك مع أنّه كان له الرجوع فيها، لأنّه بَدَّلها بشرطِ حصول عِوَضٍ؛ ولم يحصل. وكذلك ما ثَبتَ مِن حديث الكِفل مع المرأة التي راودَها عن نفسها بستّين أو مئة دينارٍ، ثمّ ارتدع عن المعصية، وتَرَك لها المالَ. وحُكي عن كثيرٍ من الناس أنّه اشترى شيئًا