للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هما اللذان يحمِلان على صيانة النفوس عن الشهوات وملابسة المحظورات؛ وذلك أجدر أن يُبقِى النفسَ لإقمة التوحيد. وذلك لما سبق من أنّ العقل مشتقٌ من عقال البعير المانع له من النُدود والشرود عن مالكه. و "الدين" مشتقٌ من "دان يدين"، إِذا خَضع وذلَّ. ومنه "الدَّين"؛ لأنّ المديون يذِلّ لصاحبه. فالإنِسان يمتنعِ عمّا لا يحلّ بمقتضى العقلِ طاعةً لربّه بمقتضى الديِن. والمرأة لَمَّا نَقصَ حظُّها من هذين المعنيين الشريفين، ناسَبَ أن تثبت عليها ولايةُ الزوجِ، لمصلحته باستمتاعه بها، ولمصلحتها بحبسها عن الشرود والتسارع إِلى ما لا ينبغي.

ولهذا رأَينا النسوان في زمننا هذا قد استخرَجن بمكرِهنّ طريقةً يَتوصّلُ بها أكثرُهن إِلى الشرود عن قيدِ الأزواجِ. فإِذا أرادت المرأةُ تخرُج لقضاء وطرٍ ما إِلى بعض المواسم والفُرَج، كالقرافة بالقاهرة، وموسى والجواد ببغداد، وكان زوجُها فقيرًا [لا] يُطمَع في جانِنه، ادَّعَت عليه عند القاضي بكسوةٍ ونفقةٍ ماضيةٍ، وجَعَلَت دعواها عند من يَقبل قولَها، مع تمنِّيها في عدم الإنفاق عليها، استصحابًا للحال، وتمسّكًا بالأصل دونَ الظاهر، كالحنبليّ. فتحبسه على ذلك. ثمّ تذهب حيث شاءت. فإِذا عادت، أخرجَته. فإِذا كان هذا فعلُنّ مع رابطة الزوجيّة، فما الظنُّ لو خَلَون عنها! وحينئذٍ، لم يَثبُت النكاحُ إِلاّ مع الملائم المناسِب، بمقتضى الحكمة الشرعيّة.

وأمّا حديث "النحاك رقٌ"، فلا يثبت عند أهل النقل. وأمّا عدوله عن لفظ "الرق" إِلى "الاختصاص"، فغير مجدٍ؛ لأنّا بيّنّا أنهما جميعًا ما ثبتا. إِلاّ مع الملائم المناسِب.

وأمّا قوله: "إِن شَرَفَ الحرّيّة وخَلَقَ الآدمىِّ لإِقامة العبادات يقتضي الاستقلالَ وعدمَ الاعتراض". قلنا: هي مستقلةٌ بنفسها فيما يتعلَّق بإِقامة العبادات، لا اعتراض عليها في ذلك. ولهذا قلنا: إِنّ له الاستمتاع بها ما لم يَضربها، أو يَشغلها عن واجبٍ. فليس له اعتراضٌ عليها في صلاة الخَمس، وصوم الشهرِ، وحجّ الفرضِ، إِذا وُجِدَت شروطُه. وأمّا ولايته عليها فيما عدا ذلك، فهو بمقتضى عقدِ النكاح الواجب الوفاءُ به، بموجب

<<  <   >  >>