للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ذروا ما بقي من الزيادة أمر بترك الزيادة وهي الربا، فتسقط عن ذمة الغريم ولا يطالب بها، وهذه للغريم فيها حق الامتناع من أدائها، والمخاصمة على ذلك، وإبطال الحجة المكتسبة. وأما ما كان قبضه، فقد قال الله تعالى: " فله ما سلف وأمره إلى الله". وليس للغريم فيه أمر، وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى، كان مغفرة لذلك الذنب، والعقوبة عليه إلى الله، وهذا قد انتهى في الظاهر فله ما سلف، وأمره إلى الله، إن علم منه صحة التوبة، غفر له، وإلا عاقبة إن شاء.

وقوله تعالى: "وذروا ما بقي من الربا". أمر بترك الباقي، ولم يأمر برد المقبوض ... إلى أن قال: فالمسلم له ثلاثة أحوال: تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد، وتارة يعامل بجهل ولا يعتقد أن ذلك ربا محرم، وتارة يقبض مع علمه أنه ربا محرم. فأما الأول والثاني، ففيه قولان:

إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم، قيل: يرد ما قبض، كالغاصب والسارق، وقيل: لا يرده، وهو الأصح، لأنه كان معتقدا حله. والكلام إذا كان مختلفا فيه كالحيل الربوية، فإذا كان الكافر يغفر له ما استحله، ويباح له ما يقبض، فالمسلم المتأول إذا تاب أولى بذلك، لأن المسلم إذا كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في كل ذلك، فهو في تأويله، والمسلم الجاهل أبعد، لكنه ينبغي أن يكون كذلك، فليس هو شراً من الكافر، واستشهد له بأمثلة، ثم قال: ثم المقبوض من هذا الوجه قد يكون أكله، وقد يكون باقيا وقد اتجر فيه وتقلب. فإن كان ذهب وجعل دينا عليه، كان في ذلك ضرر عظسم وتنفير له عن التوبة، وهذا الغريم يكفيه إحسانا إليه، إسقاط ما بقي في ذمته، وهو برضاه أعطاه. فلو فرض أن رجلا أمر رجلا بإتلاف ماله، وأتلفه، لم يضمنه وإن كانا ظالمين، هذا هو الصحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>