ومن مفرط يفتي بأن شربها قربة فضلا عن الحل والطهارة نظرا إلى أنها تزيل ما في النفس من فتور وكسل وتعين على السهر في العبادات.
والحق في ذلك كله أنه لا إسكار فيها ولا تخدير، وإنما الذي فيها أنها تورث ضررا أو انحرافا في كثير من الأمزجة حتى تخرج عن حد الاعتدال شرعا وعرفا، بل وربما أضرت ببعضها لمضادتها لطبعها من البرودة واليبس.
وفيها أيضا: إن من أدمن عليها لا يمكنه غالبا تركها، كتعاطي نحو الأفيون، وأنت خبير بأن هذا كله لا يوجب تحريمها لذاتها، لأن مناط التحريم التأثير في العقل أو البدن، فحيث انتفى التأثير فيهما عن شئ، حل. وكونها تورث ذلك، ليس لذاتها، كما يقطع بذلك من سبر حال أهلها. وإنما هو تارة من مخالطة من لا خلاق له منهم، وتارة من ضم بعض المخدرات إليها كم أخبر بذلك الجم الغفير منهم، وعنهم:
وحصول الضرر بتركها لا يقتضي تحريمها، لأن ذلك يوجد في كثير من المباحات بل الطيبات. ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه في اللحم:
إن له ضراوة كضراوة الخمر! والحاصل أن ذاتها مباحة ما لم يقترن بها عارض يقتضي التحريم، كإدارتها على هيئة الخمر المخصوصة بها بخلاف مجرد الإدارة، فإنها لا حرمة فيها، فقد أدار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على أصحابه، وسيأتي مخدر معها، أو كاستعمالها لمن لا توافق طبيعته.
ويجمع ذلك كله ما نقل عن المصنف أنه استفتى فيها، فقال: قد تكون وسيلة للخير تارة وللشر تارة أخرى، وللوسائل حكم المقاصد أي فإن قصدت للإعانة على قربة، كانت قربة، أو على مباح كانت مباحة، أو على مكروه كانت مكروهة، أو على حرام كانت حراما، ونقل عن بعض العلماء الثقات.