وقد قلنا: إن قول العلامة ابن الهمام في "التحرير" الذي قدمته لا يرجع فيما قلد فيه اتفاقاً؛ معناه الرجوع في خصوص العين، لا خصوص الجنس بنقض ما فعله مقلداً في فعله إماماً آخر، كصلاة ظهر بمسح ربع الرأس؛ ليس له إبطالها باعتقاد بعد تمام لزوم مسح كل الرأس، كما قد علمته، لا الرجوع بمعنى منع الشخص من تقليده غير إمامه في شيء يفعله مخالف لما صدر منه، كصلاة يوم على مذهب أبي حنيفة، وصلاة يوم على مذهب غيره: وإن كان المراد بالرجوع لعمل في نظره ما مضى، بخلاف معتقد من قلده كما يتراءى من ظاهر من "التحرير وشرحيه" ففي كلامهما خلافه، ومع ذلك فقد علمت تقيده بأن يبقى أثر يمنع من الفعل، لا مطلقاً، وعلى كل من الأمرين يثبت المدعى؛ وهو جواز تقليده الإمام مالك وغيره فيما يفعله مخالفاً لما فعله على مذهب أبي حنيفة، ولهذا قال الكمال المحقق في شرحه على الهداية، المسمى "بفتح القدير" من باب التحكيم في "الفتاوى الصغرى"؛ حكم الحاكم في الطلاق المضاف ينفذ، لكن لا يفتي به، وفيما روي عن أصحابنا وهو أوسع من هذا، وهو أنه إذا استفتى أولاً فقيهاً فأفتاه ببطلان اليمين، وسع إمساك المرأة. فإن تزوج أخرى وكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فاستفتى فقيهاً فأفتاه بصحة اليمين؛ فإنه يفارق الأخرى ويمسك الأولى بفتواها. انتهت عبارة الكمال رحمه الله.
ومثاله في "الفتاوى البزازية": قلت: فهذا المراد بقوله في "التحرير" لا يرجع فيما قلد فيه، أي بخصوص عينه، أما مثاله فيقلد ما يوافق المفتي مخالفاً للسابق في حادثتين، وإلا ناقض كلام في الأصول، إذ هو رجوع ما عمل به إذا أريد به الجنس، وإذا أريد العين؛ لا مناقضة، وقد نص عليه في "الفتاوى الصغرى" حنث.