للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضاً لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلاً للشيء حتى يسأل من هو أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة، ويحيى بن سعيد، فأمراني بذلك، ولو نهياني انتهيت، وقال: إذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم المسائل، ولا يجيب أحدهم في مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، مع ما رزقوا من السداد والتوفيق، مع الطهارة، فكيف بنا الذين غطت الخطايا والذنوب قلوبنا. وقيل: كان إذا سئل عن مسألة؛ كأنه واقف بين الجنة والنار، وقال عطاء: أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن المسألة، فيتكلم وإنه ليرعد، وسئل عليه السلام، أي البلاد شر؟ فقال: لا أدري، فسأل جبريل، فقال: لا أدري، فسأل ربه، فقال: أسواقها. ذكره ابن الجوزي، وسئل الشعبي عن شيء، فقال: لا أدري، فقال: ألا تستحي من قولك: لا أدري وأنت فقيه العراق، فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (١) وقال أبو نعيم: ما رأيت عالماً أكثر قولاً من مالك لا أدري. وقال أبو الذيال: تعلم لا أدري، فإنك إن قلت: لا أدري؛ علموك حتى تدري، وإن قلت: أدري، سألوك حتى لا تدري. وسئل الشافعي عن مسألة فسكت، فقيل: ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري، الفضل في سكوتي، أو في الجواب؟ وقال الأثرم: سمعت أحمد يستفتي فيكثر: لا أدري، وذلك فيما عرف فيه الأقاويل، وقال: من عرض نفسه للفتيا؛ فقد عرض لعظيم، إلا أنه قد تلجئ الضرورة، وقيل له: أيها أفضل، الكلام أو الإمساك؟ فقال: الإمساك أحب إلي، إلا لضرورة. وقال عقبة بن سلمة: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، وكان كثيراً ما يسأل، فيقول: لا أدري. وكان سعيد لا يفتي فتيا، ولا يقول شيئاً إلا قال: اللهم سلمني وسلم منى. وقال سحنون: أشقى الناس من باع


(١) ٢/ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>