وفيه شهادة جماعة من أهل العلم، وخطوطهم مشهورة معروفة، وقد درجوا إلى رحمة الله؛ ساغ للحاكم الاجتهاد في المسألة، ولا يعين الظالم على التمكن من ظلمه وفجوره، فيفعل ما يريد، ويقول لخصمه: لا يقوم لك على ما في يدك حجة، بل قد لا يكون بينه وبين أحد خصومة ولا دعوى، وإنما يده عليه، ولكن عنده كتاب منقطع يطلب اتصاله، ما له طريق إلى ذلك إلا بالشهادة على الخط. هذا ملخص كلامه، نقلته من خط الشيخ محمد بن إسماعيل.
وفي "التنقيح" وتقدم لأصحابنا قول: يحكم بخط شاهد ميت. قال الشيخ تقي الدين: الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه عند الجمهور، وهو يعرف خطه كما يعرف صوته، وجوز أحمد، ومالك الشهادة على الصوت، والشهادة على الخط أضعف، لكن جوازه أقوى من منعه. انتهى.
قلت: وعمل به كثير من حكامنا. انتهى.
ومن جواب للشيخ حسين بن عثمان، الشافعي أخيراً، الحنبلي أولاً بعد أن سئل عن كتاب القاضي إلى القاضي من غير شاهدين يحملانه.
فأجاب: هذا لا أرضاه لك؛ لأن مدارهم على إبطال وثائق القضاة، وإنها لا تقبل إلا بشاهدين عدلين، ولا لهم مستند في ذلك غير إتباع ما في الكتب من غير تلق من أهل العلم، وهذا فيه فساد عظيم وتضييع للحقوق؛ فإن وثائق القضاة أضبط وأحسن من شهادات أهل هذا الزمان، وأنت تعرف أن شهادة العدول تظهر الحق، ولا تثبته في نفس الأمر، حتى لا يجوز للشخص أن يستولي على ما ليس له ولو شهد به عدول كثيرون.
إذا علمت ذلك؛ فمذهب إمامنا الشافعي في الأصل: لا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي إلا إذا شهد بما فيه عدلان، ولكن أصحابنا المتأخرون