للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون «الكلب» منصوبًا على البدل من اسم الإشارة على أنه مفعول «بلغ» أي: وصل إليه وأدركه وأصابه، وقوله: «من العطش» (من) بيانية متقدمة على المبيَّن وهو «مثل»، و «مثِلُ» مرفوعًا على أنَّه فاعل «بلغَ». وقوله: «مني» متعلق بـ «بلغ» الثاني، وإنَّما عدَّاه بـ (من) مع أنه يتعدَّى بنفسه للدلالة على شدَّة التمكُّن. ويجوز رفع «الكلب»، ونصب «مثل» وهو مرجوح.

* * *

مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن جدَّته أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا نساء المؤمنات لا تحقرنَّ إحداكنَّ لجارتها، ولو كراع شاةٍ محرقًا».

ذكر الكراع هنا مبالغة في حقارة الهدية، أي: لا ينبغي أن تصدَّ حقارة الشيء هديته فإنَّ إهداءه خير من ترك الهديَّة، فالكلام مسوق للتحريض على الهديَّة بين الجيران بما تيسر، والشرط ونحوه إذا قصد منه المبالغة في أضعف أو أحقر الجنس المتحدث عنه لا يقتضي إرادة الحقيقة، ونظيره قول المثل: «زوج من عود خيرٌ من قعود».

ووصفه بكونه «محرقًا» يحتمل أنَّه لتقريب الجنس من الحالة التي قصدها المتكلِّم وهي الترغيب في الإهداء من طعام أهل البيت كيفما كان، فالمحرق هنا بمعنى المشوي لقصد تقريبه من حالة إمكان أكله، ويحتمل أن يكون المراد بالمحرق الذي تجاوز حد النضج، فلم يبق مرغوبًا فيه، فيكون الكلام مبالغة شديدة.

* * *

ووقع فيه قوله: «ولا رأيت آكلاً به» وهو الرواية المشهورة التي تناسب قول عمر: «لا آكل السمن حتَّى يحيا الناس»؛ إذ هي تقتضي أنَّ فقدان السمن كان عامًّا في جميع قوم ذلك البدوي وأنَّه لا يختص به، وفي بعض الروايات: «ولا رأيت أكلًا به» بضمِّ همزة «أكلًا» وسكون الكاف، أي: ولا رأيت طبيخًا بالسمن، وهي دون الرواية الأولى في الدلالة على عموم هذه الحالة. وفي رواية أخرى: «ولا لكت أكلًا به» ومعناها أنًّه ما أكل سمنًا محضًا، ولا مضغ طعامًا مأدومًا بالسمن، وهي دون

<<  <   >  >>