للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتكلم أن يكون مصيره كمصيرهم فيؤكد الخبر تأكيدًا يدل على أنه يسعى مثل سعيهم. فالمقصود لاحقون بكم: بالموت على الإيمان مثل: إيمانكم وعمل مثل عملكم، وكلمة «إن شاء الله» لرجاء حصول المأمول.

وقوله: «وددت»: انتقال من خطاب الأموات إلى خطاب أصحابه الحاضرين معه في المقبرة.

والمراد بالإخوان: الإخوان في الإيمان، كما هو ظاهر، والمراد بالود هنا: التمني بقرينة كون المودود غير ممكن عادةً، فظن السامعون أن رسول الله تمنى أن يرى فريقًا من المؤمنين، فلذلك قالوا: «ألسنا بإخوانك؟ » أي: ألست ترانا الآن، وقد أرادوا استطلاع المقصود من تمني رؤية المؤمنين. فأجابهم بقوله: «بل أنتم أصحابي» إلخ. أي إخواني وزيادة. وإنما وددت أن أرى من لم يكن من أصحابي. وقد اتضح أن رسول الله قد آذنهم بقرب انتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه تمنى أن يرى من لم يكن موجودًا يومئذ من المؤمنين، أي: أن الحياة الدنيا لا يود منها رسول الله إلا أن يرى أمته لو كان ذلك في الإمكان المعتاد. وكفى أمته بهذا دليلاً على محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام أمته وجزاه أحسن ما جزى به نبيًا عن أمته وبما هو أهله.

وقوله: «وأنا فرطهم عن الحوض» الفرط: بفتحتين. ويقال: الفارط بإشباع فتحة الفاء: هو الذي يسبق الواردين إلى الماء، فيصلح لهم الحوض الذي يملأ به الماتحون ويتذوق لهم الماء إن كان المستقون مسافرين في أرض لا يعرفون ماءها، قال الأعشى:

وأصفر كالحناء ذاوٍ جمامه ... متى ما يذُقه فارط القوم يبصُقُ

والكلام تمثيل، يعني وسيجدونني لما ينفعهم يومئذٍ؛ ولأجل كون الكلام تمثيلاً نشأ عنه سؤال أصحابه بقولهم: «كيف تعرف من يأتي بعدك» أي: كيف تعرفهم يوم الحشر حتى تصلح من أحوالهم كما ينفع الفرط قومه؟ وحصل الجواب بقوله: «أرأيت لو كان لرجل خيل» إلخ.

أما قوله: «فلا يذادن رجال» فهو انتقال من البشارة إلى النذارة، كدأب رسول الله في طبه النفوس، حذرهم به من الوقوع فيما يخرج عن الإسلام بعد الدخول في حضيرته والسعي إلى الارتواء من معينه.

<<  <   >  >>