للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: «لا يذادن» نهي يراد بمثله النهي عن سبب الفعل، كما قال النابغة:

فقلت لهم لا أعرفن عقائلاً ... رعابيب من جنبي أريكٍ وعاقل

ضوارب بالأيدي وراء براغزٍ ... حسانٍ كآرام الصريم الخواذل

ولا أعرفني بعد ما قد نهيتكم ... أجادل يومًا في شوي وحامل

وهو نهي تحذير، ونداء النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم يومئذ بالإقبال على حوضه مراد به التعريض للملائكة الذين ذادوهم عن الحوض أن يسمحوا لهم بوروده، فهذا النداء من معنى الشفاعة لهم ظنًا منه أنهم طُردوا لأجل ذُنوبهم وأنهم موفقون.

وقوله: «فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك» لا محالة أن المراد به أنهم بدلوا الإيمان كفرًا. فهو إشارة إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة: ١٠٨]. أي: أنهم ليسوا بمؤمنين، وهؤلاء هم أهل الردة الذين ماتوا على الكفر.

والمجيء بهم إلى جانب الحوض تنكيل بهم، ليروا ما كان لهم من الخير لو ثبتوا على الإيمان. وليس في الكلام ما يؤذن بأنهم يجيئون غُرًا محجلين، وأنى لهم الغرة والتحجيل اللذين هما من سمة التفضيل.

وقوله: «فأقول: فسحقًا فسحقًا فسحقًا» السحق: البُعد، ومكان سحيق: بعيد، وهو مفعول مطلق بديل عن فعل أمر أو عن فعل دعاء. وكرر الدال على إبعادهم ثلاث مرات؛ لإبطال تكرير ما دل على إدنائهم ثلاثًا من قوله: «ألا هلم»، وفيه إيماء إلى أن الرجال المتحدث عنهم ليسوا بمؤمنين؛ لأن الدعاء عليهم بالسحق يقتضي عدم الرحمة لهم، ولو كانوا مؤمنين لكان رسول الله بهم رؤوفًا رحيمًا وشفيعًا ملحًا، وللشارحين في هذا الحديث تطويل وشكوك تفككت بها أوصال هذا الكلام الشريف.

***

مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حُمران مولى عثمان بن عفان: أن عثمان بن عفانٍ جلس على المقاعد فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر فدعا بماءٍ فتوضأ، ثم قال:

<<  <   >  >>