فيصير صفته العجب قال الشعراني: إن إبليس إذا ظفر من ابن آدم بإحدى أربع قال لا أطلب منه غيرها: إعجابه بنفسه، واستكثار عمله، ونسيانه ذنوبه، وزيادة الشبع وهو أعظمها، لأن الثلاثة تنشأ عنه.
(وظن السوء): فإنه من أعظم ما نهى الله عنه، وهو باب تمكن الشيطان من القلب حتى يفسده ويتعب صاحبه وينشأ عنه بغض المظنون به سوء، ويحصل بينهما خلل كثير، وربما كان بريئاً فيزداد إثم الظان وخصوصاً في مثل أهله وليس شيء أحسن من اتباع ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ورزقنا اتباعه بجاهه عند ربه.
(و) تجب (التوبة من ذلك) المذكور، والتوبة هي لغة: مطلق الرجوع، وشرعاً: ما أشار إليه بقوله: (وهي الندم والعزم على عدم العود) الندم ركن منها كما قال، وشرطه: أن يكون لله، لا لكون المعصية فيها ضرر لبدنه أو ماله. والندم يستلزم ما ذكره غيره: من الإقلاع عن الذنب حال التوبة؛ لأنها لا تصح وهو متلبس به.
وأما رد المظالم لأهلها فواجب مستقل ليس شرطاً في صحة التوبة.
واعلم أنه تصح التوبة من بعض الذنوب مع تلبسه بغير ما تاب منه. وإذا عزم أن لا يعود، ثم قدر الله عليه أنه عاد أو ارتكب غيره، فعليه أن يتوب ولو كثر منه ذلك كما قال: (و) يجب (تجديدها لكل ما اقترف) فيغفر الله له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصاب ذنباً فندم عليه غفر له ذلك من قبل أن يستغفر».
(و) يجب (الخوف من الله تعالى) الخوف: تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل، فيجب التألم لئلا يقع عقاب في الآخرة أو الدنياوأعظمه لجلال الله.
(و) يجب (الرجاء) بالمد وضمير (فيه) يعود لله: أي الطمع في رحمته مع حسن الطاعة، إذ لا يصح مع ترك الأخذ في أسباب الطاعة.
(و) يجب (صلة الرحم) وقد ورد ما يدل على فضلها وما يعين عليها ويحذر من تركها، كقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس ذنب بعد الشرك أعظم من قطيعة الرحم حتى إن أهل البيت يكونون فجرة لكن يتواصلون فيبارك لهم فتزيد أموالهم وأولادهم».
(و) يجب (بر الوالدين) وإن كانت الأم تفضل على الأب في البر
ــ
العزم؛ لأنه يكتب على العبد خيراً أو شراً.
قوله: [فيصير صفته العجب]: أي فبين العجب والكبر تلازم.
قوله: [فإنه من أعظم ما نهى الله عنه]: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} [الحجرات: ١٢] الآية.
قوله: [خصوصاً في مثل أهله]: أي أهل الظان كالزوجة.
قوله: [من اتباع ما أمر الله به]: بأن يزن صاحبه بميزان الشرع والله يتولى السرائر.
قوله: [من ذلك المذكور]: أي الذي هو الفواحش الظاهرة والباطنة.
قوله: [ركن منها]: أي لأنه داخل الماهية خلافاً لمن عده من الشروط فإنه معترض بأن الشرط ما كان خارج الماهية.
قوله: [أن يكون لله]: أي أن يكون خوفاً من الله.
قوله: [وأما رد المظالم لأهلها]: أي بالفعل وأما من عده من الشروط فهو ناظر للعزم على الرد لا للرد بالفعل.
قوله: [مع تلبسه بغير ما تاب منه]: أي وقولهم لا بد من الإقلاع في الحال باعتبار الذنب الذي تاب منه.
قوله: [فعليه أن يتوب]: أي توبة للذنب الجديد، وأما الذنب الأول فقد محي ولا يعود بالرجوع قال في الجوهرة:
ولا انتقاض إن يعد في الحال .... لكن يجدد توبة لما اقترف
قوله: [فندم عليه]: أي لأن الندم الصحيح توبة كما ورد فيحصل به غفران الذنوب وإن لم يستغفر.
قوله: [بسبب توقع مكروه في المستقبل]: أي وأما تألم القلب مما حصل فيقال له حزن ويرادف الخوف بهذا المعنى الهم.
قوله: [وأعظمه لجلال الله]: أي وهو خوف الأنبياء وكل من كان على قدمهم.
قوله: [لا يصح مع ترك الأخذ في أسباب الطاعة]: أي لأنه حينئذ لا يسمى رجاء بل طمع مذموم وذلك كطمع إبليس في رحمة الله.
قوله: [وقد ورد ما يدل على فضلها]: أعظم ما ورد في ذلك قوله تعالى {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: ٢١] الآية، وأعظم ما ورد في التحذير من تركها قوله تعالى {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: ٢٥] الآية.
قوله: [ويجب بر الوالدين]: أي لقوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: ٢٣] إلخ ما ذكر في تلك السورة وقوله - عليه الصلاة والسلام -، حين سئل عن «أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها، قيل ثم أي قال بر الوالدين» وقد أجمعت الأمة على برهما وحرمت عقوقهما لما في الحديث: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجاء في حديث عن أبي هريرة: إن «من فاته بر والديه في حياتهما يصلي ليلة الخميس ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب بعدها آية الكرسي خمس مرات، وقل هو الله أحد خمس مرات، والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم منهما استغفر الله خمس عشرة مرة ثم وهب ذلك لأبويه فإنه يدرك برهما بذلك» أفاده النفراوي في شرح الرسالة.
قوله: [وإن كانت الأم تفضل على الأب في البر]: لأن نسبة الولد