ولو كانا مشركين أو فاسقين بالجوارح أو بسبب الاعتقاد. ويكون البر بالقول اللين الدال على محبتهما بأن يقول لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما بدون رفع صوت عليهما ويقود الأعمى منهما -ولو كافراً- للكنيسة ويحملهما لها، ويعطيهما ما ينفقانه في أعيادهما لا ما ينفقانه في الكنيسة أو للقسيس، ويطيع الوالدين في المباح والمكروه. نعم قالوا: لا يطيع في ترك سنة أو رغيبة على الدوام كالوتر والفجر ولا في ترك واجب أو فعل معصية. ومن بر الوالدين: أن لا يحاذيهما في المشي ولا يجلس إلا بإذنهما.
وفي الجد والجدة خلاف الظاهر لا.
(و) يجب (الدعاء لهما) قال تعالى: {وقل ربي ارحمهما} [الإسراء: ٢٤] الآية أي أنعم عليهما. ومن جملته غفر الذنب، ويستحب التصدق عن الوالدين وينتفعان بها كالدعاء والقراءة كانت على القبر أو لا وتلزم الإجارة على القراءة ويستحب زيارة قبرهما كل جمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبر أبويه أو أحدهما كل جمعة غفر الله له وكتب باراً»
(و) تجب (موالاة المسلمين) بالباطن والظاهر فيحبهم ويسعى لهم في نحو الوليمة والتعزية.
(و) تجب (النصيحة لهم): أي للمسلمين فرض عين؛ بأن يرشدهم إلى مصالحهم من أمر دينهم ودنياهم برفق وهي واجبة طلبوا ذلك أم لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (وحرم أذاهم) أي المسلمين.
(وكذا أهل الذمة) والمعاهدون يحرم أذاهم (في نفس) بجرح أو ضرب فأولى بقتل (أو مال): كل ما يملك شرعاً ولو قل (أو عرض) بكسر العين المهملة موضع المدح والذم من الإنسان كالحسب والنسب وظاهره يعم عرض أهل الذمة والمعاهدين وهو الظاهر ويدل له قوله تعالى {وقولوا للناس حسنا} [البقرة: ٨٣] وقيل: لا شيء في عرض الكافر، وبه قال ابن عمر. وقال بالأول: ابن وهب، قال شيخنا العدوي: والنفس أميل إليه.
(أو غير ذلك) كأذية زوجة أو ولد بالنظر للزوج والوالد وأما بالنظر لهما فداخلان في النفس إلخ تأمل.
(إلا) إذا كان الإيذاء في النفس أو المال أو العرض من (ما أمر به الشرع من حد أو تعزير) ففيه أذية النفس ولا يحرم أو استهلاك مال
ــ
للأم محققة وللأب ظنية ولتألمها في حمله وفصاله.
قوله: [ولو كانا مشركين]: أي لقوله تعالى {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: ١٥] الآية والموضوع أنهما مشركان غير حربيين وإلا فيجب اجتنابهما وله قتلهما حينئذ.
قوله: [بالجوارح]: أي الظاهرة.
قوله: [أو بسبب الاعتقاد]: أي بأن كان فسقهما متعلقاً بالعقائد كالمعتزلة ونحوهم.
قوله: [ولو كافراً للكنيسة]: مرتبط بما بعد المبالغة كأنه قال يقود الأعمى لمصالحه، هذا إذا كان مسلماً بل وإن كان كافراً فيقوده لمطلوبه وإن كان للكنيسة.
قوله: [ولا في ترك واجب أو فعل معصية]: أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
قوله: [أن لا يحاذيهما في المشي]: أي فضلاً على التقدم عليهما إلا لضرورة نحو ظلام.
قوله: [ولا يجلس إلا بإذنهما]: أي ولا يقوم إلا كذلك ولا يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما وبالجملة فيجب بر الوالدين بالقول والجسد بالباطن والظاهر.
قوله: [الظاهر لا]: قال الطرطوشي الذي عندي أنهم لا يبلغون مبلغ الآباء.
قوله: [ويستحب التصدق] إلخ: محل استحباب ما ذكر إن كانا مؤمنين أيضاً.
قوله: [وينتفعان بها]: ويشهد لذلك قوله في الحديث الشريف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وعد منها دعاء الولد الصالح»، ومحل طلب الدعاء لهما إن كانا مؤمنين لا إن كانا كافرين فيحرم لآية: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: ١١٣] الآية فإنها نزلت في استغفاره - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين.
واعلم أن الوجوب يحصل ولو بمرة في عمره مع قصده أداء الواجب كما تكفي المرة في وجوب الاستغفار للسلف الصالح كما قاله النفراوي استظهاراً.
قوله: [طلبوا ذلك أم لا]: لكن محل الوجوب إن ظن الإفادة لأنه من باب الأمر بالمعروف.
قوله: [قال لله] إلخ: النصيحة لله هي توحيده والإخلاص له.
وقوله: [ولكتابه]: وهو العمل به.
وقوله: [ولرسوله]: أي وهو حبه واتباعه.
وقوله: [وللأئمة المسلمين]: أي وهو امتثال أمرهم في غير معصية.
وقوله: [وعامتهم]: أي وهو إرشادهم كما قال الشارح.
قوله: [والمعاهد]: أي فهو داخل في عموم قول المصنف أهل الذمة فالتصريح به زيادة في الإيضاح.
قوله: [كالحسب]: أي وهو ما يعد من مفاخر الآباء.
قوله: [وقولوا للناس حسناً]: أي ولفظ الناس عام يشمل المسلم والكافر.
قوله: [وقيل لا شيء في عرض الكافر]: أي لا إثم.
قوله: [وقال بالأول ابن وهب]: أي بأن الإثم في عرض الكافر لكن لا يبلغ به كالإثم في عرض المسلم؛ لأن قذف المسلم العفيف فيه الحد بخلاف الكافر.
قوله: [بالنظر للزوج والوالد]: معناه لا يؤذي الرجل في زوجته بأن يخونه فيها ولو برضاها ولا الوالد في ولده بأن يخونه فيه.
قوله: [ففيه أذية النفس] إلخ: لف ونشر مرتب مع ثقل في التركيب لا يخفى.