للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمسجد مباح أو نواه، وأطلق بأن لم يقيد بليل ولا نهار، ولا فطر كأن قال: لله علي مجاورة هذا المسجد، أو نويت الجوار به، فهو اعتكاف بلفظ جوار، فيجري فيه جميع أحكامه المتقدمة من صحة بطلان [١] وجواز وندب وكراهة ويلزمه في النذر يوم وليلة كما لو قال: لله علي اعتكاف. وإذا لم ينذره يلزمه بالدخول ما ذكر، وأما إذا [٢] قيد بشيء فإن قيد بيوم وليلة فأكثر ولم يقيده بفطر، فظاهر أنه اعتكاف ويلزمه ما نذر وبالدخول ما نواه.

(فإن قيده بنهار) فقط كهذا النهار أو نهار الخميس، (أو ليل) فقط (لزم ما نذره لا ما نواه) فله الخروج متى شاء، (ولا صوم) عليه فيهما (كأن قيد بالفطر) فلا يلزمه ما نواه بالدخول ولا الصوم، (فله الخروج) من المسجد (إن نوى شيئاً) من اليوم أو الأيام (متى شاء ولو أول يوم) فيما إذا نوى أياماً أو أول ساعة من اليوم، فيما إذا نوى يوماً أو بعضه بخلاف ما لو نذر فيلزمه ما نذره ولا صوم لالتزامه الفطر واعلم أن في الجوار المقيد بزمن ولو قل -كيوم أو بعضه- ولو ساعة لطيفة أو بفطر فضلاً كثيراً؛ فمن دخل مسجداً لأمر ما، ونوى الجوار به أثابه الله على ذلك ما دام ماكثاً به.

ولما كانت مبطلات الاعتكاف قسمين.

الأول: ما يبطل ما فعل منه، ويوجب استئنافه وقد تقدم في قوله: "وإلا خرج وبطل" إلخ.

والثاني: ما يخص زمنه ولا يبطل ما تقدم منه إذا لم يأت بمناف للاعتكاف؛ وهو ثلاثة أقسام: ما يمنع الصوم فقط، وما يمنع المكث بالمسجد فقط، وما يمنعهما [٣] معاً، أشار لأولها بقوله: (ولا يخرج) المعتكف: أي لا يجوز له الخروج من المسجد (لمانع من الصوم فقط) دون المسجد، (كالعيد ومرض خفيف) يستطيع المكث معه في المسجد دون الصوم، كمن نذر شهر ذي الحجة، أو نواه عند دخوله فلا يخرج يوم الأضحى، وإلا بطل اعتكافه من أصله، وكذا المرض الخفيف، نقله ابن عرفة عن عبد الوهاب، وقال في التوضيح والخروج –أي: جوازه- مذهب المدونة.

وأشار للثاني والثالث بقوله: (بخلاف المانع من المسجد) سواء منع الصوم أيضاً (كالحيض) والنفاس أو لا؛ كسلس بول وإسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد (فيخرج) منه وجوباً (وعليه حرمته) أي الاعتكاف، والواو للحال، فلا يفعل ما لا يفعله المعتكف من جماع ومقدماته. وتعاطي مسكر وإلا بطل اعتكافه من أصله.

(وبنى) وجوباً (فوراً بزواله) أي بمجرد زوال عذره المانع من المسجد كالحيض والإغماء والجنون والمرض الشديد والسلس، بأن يرجع للمسجد لقضاء ما حصل فيه المانع، وتكميل ما نذره ولو انقضى زمنه إذا كان معيناً كالعشرة الأخيرة من رمضان، فيقضي ما فاته أيام العذر ويأتي بما أدركه منها ولو بعد العيد وأما غير المعين فيأتي بما بقي عليه، وأما ما نواه بدخوله تطوعاً فإن بقي منه شيء أتى به وإلا فلا، ولا قضاء لما فاته بالعذر.

(فإن أخره): أي الرجوع للمسجد ولو لنسيان أو إكراه

ــ

قوله: [بمسجد مباح]: أي وأما لو نذر جواراً بغير مسجد، أو مسجد غير مباح كمساجد البيوت المحجورة، فلا يلزمه شيء.

قوله: [فإن قيده بنهار] إلخ: الحاصل أن الجواز [٤] إما مطلق أو مقيد بليل أو نهار، فإن كان مطلقاً ولم ينو فيه فطراً لزم بالنذر إذا نذره، وبالدخول إذا نواه، وإن قيده بالفطر لفظاً أو نية فلا يلزم إلا بالنذر ولا يلزم بالدخول إذا نواه، وأما المقيد بليل أو نهار فلا يلزم إلا بالنذر، ولا يلزم بالدخول كالمقيد بالفطر.

قوله: [كأن قيد بالفطر]: أي لفظاً أو نية.

قوله: [ولو أول يوم]: أي وهو الأرجح من تأويلين ذكرهما خليل.

قوله: [فضلاً كثيراً]: أي ولذلك يلزم بالنذر.

قوله: [ما دام ماكثاً به]: لما ورد: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه»، وورد أيضاً: «إنه في صلاة ما دام في المسجد ينتظر الصلاة»، وورد أيضاً: «إنه في ضمان الله حتى يعود لمنزله»، وكفانا قوله تعالى: {إنما يعمر مساجد الله} [التوبة: ١٨] الآية.

قوله: [فلا يخرج يوم الأضحى] إلخ: أي فلا يجوز له الخروج من المسجد كما في الرجراجي والمواق، وقيل إنه يجوز الخروج ومثل يوم الأضحى تالياه لأنهما من محل الخلاف.

والحاصل: أنهم ذكروا في جواز الخروج للعذر المانع من الصوم فقط وعدم جوازه قولين، فروي في المجموعة: يخرج، وقال عبد الوهاب: لا يخرج، هكذا في ابن عرفة وابن ناجي وغيرهما، وقال في التوضيح: والخروج مذهب المدونة، وكذا عزاه اللخمي أيضاً لظاهر المدونة كما نقله (ح) وأما ما قرر الأجهوري من وجوب البقاء في المسجد فهو الذي شهره ابن الحاجب وصوبه اللخمي كما في (ح) انظر (بن) كذا في حاشية الأصل. وما مشى عليه الأجهوري الذي هو المعتمد لا ينافيه قول المصنف الآتي: "إلا ليلة العيد ويومه"، لأنه كلام على عدم بطلانه بعد خروجه الواجب لعذر مانع له من الصوم والمسجد، فلا ينافي وجوب بقائه هنا لاختلاف الموضوع.

قوله: [وإلا بطل اعتكافه من أصله]: أي ويبتدئه في جميع الصور.

قوله: [وبنى وجوباً فوراً بزواله]: قد أجمل المصنف في هذا المقام. وحاصل إيضاحه أن تقول: العذر: إما إغماء، أو جنون، أو حيض، أو نفاس، أو مرض، والاعتكاف: إما نذر معين من رمضان، أو من غيره، أو نذر غير معين، أو تطوع معين بالملاحظة، أو غيره؛ فهذه خمسة وعشرون من ضرب خمسة في مثلها. وفي كل: إما أن يطرأ العذر قبل الاعتكاف، أو مقارناً له، أو بعد الدخول فيه؛ فصار خمساً وسبعين. فإن كانت تلك الموانع في الاعتكاف المنذور المطلق أو المعين من رمضان فلا بد من البناء بعد زوالها، سواء طرأت قبل الاعتكاف وقارنت،


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] كذا في ط الحلبية وط المعارف، ولعل الصواب: (وبطلان).
[٢] في ط المعارف: (إذ).
[٣] في ط المعارف: (يمنعها).
[٤] في ط المعارف: (الجوار).

<<  <  ج: ص:  >  >>