فإن اعتكف غير مكفي، جاز له الخروج لشراء ما يحتاج إليه، ولا يتجاوز أقرب مكان أمكن منه ذلك، وإلا فسد اعتكافه.
(و) كره له إذا خرج لقضاء حاجة (دخوله بمنزل به أهله) أي زوجته أو سريته لئلا يطرأ عليه منهما ما يفسد اعتكافه.
(و) كره (اشتغاله) أي المعتكف (بعلم) ولو شرعياً تعليماً أو تعلماً؛ لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب بمراقبة الرب، وهو إنما يحصل غالباً بالذكر وعدم الاشتغال بالناس، (وكتابة، وإن) كان المكتوب (مصحفاً) لما فيها من نوع اشتغال عن ملاحظة الرب تعالى وليس المقصود من الاعتكاف كثرة الثواب، بل صفاء مرآة القلب الذي به سعادة الدارين ومحل كراهة ما ذكر من الاشتغال بالعلم والكتابة، (إن كثر) لا إن قل وعطف عاماً على خاص بقوله: (و) كره اشتغاله بكل (فعل غير ذكر وتلاوة وصلاة) وأما فعل هذه الثلاثة فمندوب كما تقدم ومن الذكر: الفكر القلبي في ملكوت السموات والأرض، ودقائق الحكم، والاستغفار، والصلاة والسلام على النبي المختار ومثل لفعل غير الثلاثة بقوله:
(كعيادة مريض): بالمسجد إن انتقل له فيه، لا إن كان بلصقه.
(وصلاة جنازة ولو لاصقت) المعتكف، بأن وضعت بقربه وانتهى زحامها إليه.
(وصعوده لأذان بمنار أو سطح) للمسجد لا بمكانه أو صحنه (وإقامته) للصلاة والسلام على الغير إن بعد.
(وجاز سلامه على من بقربه).
(و) جاز (تطيبه) بأنواع الطيب وإن كره للصائم غير المعتكف؛ لأن المعتكف معه مانع يمنعه مما يفسد اعتكافه وهو بالمسجد بخلاف الصائم.
(و) جاز له (أن ينكح) بفتح الياء أي يعقد لنفسه، (و) أن (ينكح) بضمها أي يزوج من له عليها ولاية إذا لم ينتقل من مجلسه ولم يطل الزمن، وإلا كره.
(و) جاز (أخذه إذا خرج) من المسجد (لكغسل) لجنابة أو جمعة أو عيد (ظفراً أو شارباً أو عانة).
(و) وكره حلق الرأس.
(و) جاز إذا خرج لغسل ثوبه من نجاسة (انتظار غسل ثوبه وتجفيفه) إذا لم يكن له غيره وإلا كره.
(ومطلق الجوار) مبتدأ (اعتكاف) خبره يعني أن من نذر جواراً
ــ
فيه هكذا.
قوله: [فإن اعتكف غير مكفي]: أي مرتكباً للكراهة.
قوله: [دخوله بمنزل به أهله] إلخ: أشار الشارح إلى أن الكراهة مقيدة بكون المنزل فيه أهله، مخافة أن يشتغل بهم عن اعتكافه. ولا يرد على هذا التعليل جواز مجيء زوجته إليه في المسجد؛ لأن المسجد مانع من الجماع ومقدماته، ولا بد أن يكون المنزل قريباً فلو كان بعيداً وذهب إليه بطل اعتكافه، وإن لم يكن بالمنزل أهله فلا كراهة، أو بأن دخل في أسفل البيت وأهله بأعلاه.
قوله: [وكره اشتغاله بعلم] إلخ: أي غير عيني وإلا لم يكره، وكراهة الاشتغال بالعلم الغير العيني مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك من أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله، وقراءة القرآن، والصلاة وأما على مذهب ابن وهب من أنه يباح للمعتكف جميع أعمال البر فيجوز له مدارسة العلم وكتابته.
قوله: [وليس المقصود من الاعتكاف] إلخ: فيه رد على ابن وهب.
قوله: [الذي به]: أي بالصفاء ولهذا المعنى اعتنت الصوفية بالخلوة المشهورة بشروطها، فإن فيه تشديداً أكثر من الاعتكاف، ولذلك لا يحسنها إلا من سبقت لهم العناية.
قوله: [الفكر القلبي]: بل هو أعظم الذكر لقول أبي الحسن الشاذلي: ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل الجبال من عمل الأبدان، وقال العارفون: إن تفجير ينابع الحكم من القلب لا يكون إلا بالفكر، ولذلك كانت عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة الفكر عند أهل التحقيق.
قوله: [والصلاة والسلام على النبي]: أي لأن فيهما ذكر وزيادة، وهو القيام ببعض حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قالوا: هي شيخ من لا شيخ له.
قوله: [لا إن كان بلصقه]: أي فلا كراهة بل هو جائز لا بأس به وفيه الثواب.
قوله: [وصلاة جنازة]: أي ولو كان المصلى عليه جاراً أو صالحاً ما لم تتعين عليه.
قوله: [وإقامته للصلاة]: أي وإن لم يترتب، وأما إمامته فلا بأس بها بل مستحبة ولو مرتباً، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ويصلي إماماً خلافاً لعد خليل لها في المكروهات.
قوله: [وجاز سلامه على من بقربه]: المراد سؤاله عن حاله كقوله: كيف حالك، كيف أصبحت مثلاً، من غير انتقال عن مجلسه، وأما قوله: السلام عليكم فهو داخل في الذكر، كذا في الأصل.
قوله: [وجاز تطيبه]: أي في ليل أو نهار وهذا هو المشهور، خلافاً لحمديس القائل بكراهته للصائم ولو معتكفاً.
قوله: [وإلا كره]: أي حيث حصل انتقال أو طول، وكان في المسجد، وأما لو خرج من المسجد لبطل اعتكافه.
قوله: [لكغسل لجنابة] إلخ: ولو لحر أصابه، ومثله لو خرج لضرورة أخرى غير الغسل.
قوله: [وكره حلق الرأس]: أي سواء كان في المسجد أو خارجه، خلافاً لما في الخرشي من أنه إذا خرج لكغسل الجمعة جاز له حلق الرأس، ولا يخرج لحلقه استقلالاً، لكن وافقه في المجموع على ذلك، ومحل كراهة حلقه خارج المسجد على القول بما لم يتضرر لذلك وإلا فلا.
قوله: [إذا لم يكن له غيره]: أي ولم يجد من يستنيبه فالجواز مقيد بقيدين.