للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا اتصل اعتكافه بها، ليخرج منه إلى المصلى فيوصل عبادة بعبادة.

(و) ندب مكثه (بآخر المسجد) لأنه أبعد عن الناس.

(و) ندب اعتكافه (برمضان) لأنه من أفضل الشهور، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

(و) ندب كونه (بالعشر الأواخر منه) لأن ليلة القدر فيه أرجى.

(و) ندب (إعداده ثوباً آخر) غير الذي هو عليه لئلا يصيب ما عليه نجاسة أو وسخ أو قمل، فيلبس ما أعده.

(و) ندب (اشتغاله) حال اعتكافه (بذكر) نحو: "لا إله إلا الله" ومنه الاستغفار، (وتلاوة) القرآن (وصلاة) وهي مجمع الذكر والخير.

(وكره أكله بفناء المسجد أو رحبته): التي زيدت لتوسعته، فإن أكل خارج ذلك بطل اعتكافه، والمطلوب أن يأكل فيه على حدة.

(و) كره لقادر على الكفاية (اعتكافه غير مكفي) بفتح الميم وسكون الكاف اسم مفعول كمرمي أصله مرموي، لأنه ذريعة لخروجه إلى شراء ما يحتاج إليه، فيندب أن يعتكف محصلاً ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب وملبس،

ــ

قال ابن الحاجب: ومن دخل قبل الغروب اعتد بيومه، وبعد الفجر لا يعتد به، وفيما بينهما قولان: المشهور الاعتداد، وقال سحنون: لا يعتد، وحمل بعضهم قول سحنون على النذر، والقولين بالاعتداد على النفل، ولكن المعتمد الاعتداد مطلقاً نفلاً أو نذراً. واعلم أن مبنى القولين الخلاف في أقل ما يتحقق به الاعتكاف، فعلى القول بأنه يوم وليلة إذا دخل قبل الفجر أو معه لا يجزئ ما لم يضم له ليلة في المستقبل، سواء كان منوياً أو منذوراً، وعلى القول بأن أقله يوم فقط إذا دخل قبل الفجر أو معه، أجزأ ذلك اليوم ولو كان نذراً.

قوله: [إذا اتصل اعتكافه بها]: أشعر كلامه أنه لو كان اعتكافه في العشر الأول أو الأوسط لم يندب له مبيت الليلة التي تلي ذلك، وهو كذلك.

قوله: [بآخر المسجد]: أي عجزه المقابل لصدره.

قوله: [وفيه ليلة القدر]: أي غالباً على أحد القولين هل هي دائرة بالعام، وهو ما صححه في المقدمات حيث قال: وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأكثر أهل العلم وهو أولى الأقاويل، أو في رمضان وهو الذي شهره ابن غلاب، وعلى كل فالغالب كونها في العشر الأواخر من رمضان، والعمل فيها خير من ألف شهر، سواء علم القائم لها بأنها ليلة القدر أو لا. ولها علامات ذكرها العلماء منها: طلوع الشمس صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، وليلتها تكون السماء صحواً لا غيم فيها، والوقت لا حار ولا بارد، قال شيخنا المؤلف ومن أطلعه الله عليها يرى كل شيء ساجدا لله، يسمع منه الذكر بلسان المقال، ويشاهد أموراً لا تحيط بها العبارة، ويندب لمن رآها أن يكتمها فلا يحدث بها، لأن الاطلاع عليها من السر المكتوم، ومن باح بالسر ضيعه؛ ولمحيي الدين بن العربي قاعدة لإدراكها حاصلها: أنه إن كان مبدأ الشهر الجمعة كانت ليلة تسع وعشرين، وإن كان السبت كانت ليلة إحدى وعشرين، وإن كان الأحد كانت ليلة سبع وعشرين، وإن كان الاثنين كانت ليلة تاسع عشرة، وإن كان الثلاثاء كانت ليلة خمس وعشرين، وإن كان الأربعاء كانت ليلة سابع عشرة، وإن كان الخميس كانت ليلة عشريه فاحفظ تلك القاعدة. وسميت بذلك إما لتقدير البركات والخيرات فيها لأن جميع مكونات العالم تقدر فيها، أي تظهر للملائكة، أو لعظم قدرها. وقيل غير ذلك.

تنبيه: المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «التمسوها في التاسعة أو السابعة أو الخامسة من العشر الأواخر من رمضان» ما بقي من العشر لا ما مضى، فالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، إن كان الشهر ناقصاً وإلا فالتاسعة ليلة اثنين وعشرين، والسابعة ليلة أربع وعشرين، والخامسة ليلة ست وعشرين فتأمل، وقيل العدد من أول العشر، فالتاسعة ليلة تسع وعشرين، والسابعة ليلة سبع وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، وعلى كل حال فيحتاط في العشر كما قالوا لاحتمال كمال الشهر ونقصانه.

قوله: [التي هي خير من ألف شهر]: أي كما نطقت به الآية الكريمة.

وسببها أنه «ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله تعالى ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فتعجب لذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عجباً شديداً، وتمنى أن يكون ذلك في أمته، فقال يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعماراً وأقلها أعمالاً، فأعطاه الله ليلة القدر فقال: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: ٣]»، أي التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله تعالى، لك ولأمتك من بعدك إلى يوم القيامة في كل رمضان.

قوله: [وندب اشتغاله]: أي فالأفضل في عبادته أنه لا يخرج عن هذه الأنواع، لأن اشتغاله بغيرها مكروه وإن كان علماً، كما يأتي، لأن المقصود ما يسرع بهضم النفس.

قوله: [أصله مرموي]: اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وقلبت الضمة كسرة ومكفي يقال

<<  <  ج: ص:  >  >>