للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما حاذى فرج غير عالم) هذه الأحكام هي التي أشار لها الشيخ رحمه الله في الفصل السابق بقوله: " ولا يصلى بلباس كافر إلخ "، أخرتها هنا؛ لأنه محلها وتقديمها في الفصل السابق ذكر لها في غير محلها. وهي مبنية على أنه إذا تعارض الأصل والغالب قدم الغالب، فإن الأصل - فيما ذكر - الطهارة، والغالب النجاسة، وقولي: ولا يصلي بما غلبت أي: النجاسة عليه إشارة لقاعدة هي: كل ما غلبت النجاسة عليه فلا يصلى به. وقوله: كثوب كافر إلخ أمثلة لبعض ما صدقت عليه هذه القاعدة. والشيخ إنما ذكر بعض الأمثلة دون القاعدة فلباس الكافر لا يصلى به؛ لأن شأن الكافر عدم توقي النجاسة بخلاف نسجه، فإن الشأن فيه توقي النجاسة. والسكير - أي: كثير السكر - كالكافر. والكناف: الذي شأنه نزح الأكنفة. وغير المصلي: يشمل الصبيان والنساء والرجال الذين لا اعتناء لهم بالصلاة؛ لأن شأنهم عدم التحرز من النجاسة " والثوب الذي ينام فيه غير مريد الصلاة لا تجوز به الصلاة؛ لأن شأنه ما ذكر. وأما ما ينام فيه هو فهو أعلم بحاله. وكذا ما حاذى فرج غير العالم بأحكام الطهارة كالإزار والسراويل لا يصلى به، بخلاف نحو عمامته وردائه، وبخلاف محاذي فرج العالم بالاستبراء وأحكام الطهارة.

ولما كان بعض النجاسة يعفى عنه للمشقة نبه عليه بقوله: (وعفي عما يعسر كسلس لازم) يعفى عن كل ما يعسر التحرز عنه من النجاسات بالنسبة للصلاة ودخول المسجد لا بالنسبة للطعام والشراب؛ لأن ما يعفى عنه إذا حل بطعام أو شراب نجسه، ولا يجوز أكله وشربه، وهذه قاعدة. ولما كان أخذ الجزئيات من القواعد الكلية قد يخفى على بعض الأذهان، صرح ببعض جزئيات للإيضاح بقوله: كسلس إلخ. والمراد بالسلس: ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة. وليس المراد بالملازمة هنا ما يأتي في نواقض الوضوء.

(وبلل باسور وثوب كمرضع تجتهد) أي: يعفى عن بلل الباسور يصيب البدن أو الثوب كل يوم ولو مرة. وأما اليد فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر الرد بها،

ــ

الشيخ خليل من استثنائه ثياب الرأس وما قاربها.

قوله: [وما حاذى فرج غير عالم]: من ذلك فوط الحمام إذا كان يدخله عموم الناس، ولكن لا يجب غسل الجسد منها للحرج نعم هو الأولى والأحوط، ذكره شيخنا في مجموعه، فإن كان لا يدخله إلا المسلمون المتحفظون فمحمولة على الطهارة.

قوله: [بخلاف نسجه]: وكذا سائر صنائعه فيحملون فيها على الطهارة عند الشك، ولو صنعها ببيت نفسه ولا فرق بين ما صنعه لنفسه وغيره كما يفيده البرزلي.

قوله: [كالكافر] إلخ: هذا مما يؤيد الرد على محشي الأصل.

قوله: [غير مريد الصلاة]: أي في ذلك الثوب، بأن أراد شخص الصلاة في فراش نوم غيره.

قوله [يعفى عن كل ما يعسر]: أخذ الكلية من لفظ "ما" لأنها من صيغ العموم. ومعنى يعسر: يشق.

قوله: [إذا حل بطعام] إلخ: أي كما تقدم أن الطعام المائع وما في حكمه ينجس إذا حلته نجاسة؛ أي نجاسة كانت.

قوله: [ولا يجوز أكله] إلخ: أي ما لم يتعين للدواء على أحد القولين.

قوله: [وهذه قاعدة]: اسم الإشارة عائد على قول المصنف: [وعفي عما يعسر] ومعنى القاعدة الضابط الكلي الذي اندرج تحته الجزئيات، وقالوا في تعريفها: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، فالقضية الكلية هنا هي: "كل ما يعسر يعفى عنه". فيندرج تحت "كل" جميع الجزئيات الآتية وغيرها. وضابط استخراجها أن يؤتى بقياس من الشكل الأول يجعل موضوع صغراه جزئياً من جزئيات القاعدة، ومحمولها موضوع تلك القاعدة وتجعله الحد المكرر، وتجعل محمول كبراه محمول تلك القاعدة، وتحذف الحد المكرر ينتج المقصود ومساقه هكذا: السلس يعسر الاحتراز منه، وكل ما يعسر الاحتراز منه معفو عنه، فينتج: السلس معفو عنه. ولذلك يقولون: من قواعد الشرع "إذا ضاق الأمر اتسع"، "وعند الضرورات تباح المحظورات". قال تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: ٧٨].

فرع: قال في الذخيرة: إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعاً، وقيل: يعفى عنها في حق غيره لأن سبب العفو الضرورة ولم توجد في غيره، وثمرة الخلاف تظهر في جواز صلاة صاحبها إماماً بغيره، وعدم الجواز فعلى الأول تجوز، وعلى الثاني تكره، وإنما لم يقل بالبطلان على الثاني لأن صاحب السلس صلاته صحيحة للعفو عن النجاسة في حقه، وصحت صلاة من ائتم به لأن صلاته مرتبطة بصلاته اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [ولا يجب غسله]: أي ولا يسن. مما أصاب الثوب والبدن والمكان حيث لم يمكن التحول عنه.

قوله: [وليس المراد] إلخ: أي لأن ما هنا من باب الأخباث وذاك من باب الأحداث. والأخباث أسهل من الأحداث فلذلك شدد في الأحداث فيما يأتي، فقالوا: لا يعفى عنه إلا إذا لازم كل الزمان أو جله أو نصفه فلا ينقض الوضوء في هذه الثلاث ولا يوجب غسلاً للنجاسة، وإن لازم أقل الزمان نقض مع العفو عن النجاسة إن لازم كل يوم ولو مرة.

قوله: [وبلل باسور]: جمعه بواسير والمراد به النابت داخل مخرج الغائط بحيث

<<  <  ج: ص:  >  >>