(ولا جزاء) فيما حرم قطعه.
(كصيد حرم المدينة) المنورة: فإنه يحرم التعرض له ولا جزاء فيه إن قتله، ويحرم أكله (وهو ما بين الحرار) الأربع؛ جمع حرة بكسر المهملة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.
(و) قطع (شجرها): فإنه يحرم على ما تقدم في شجر حرم مكة. والحرم بالنسبة له (بريد من كل جهة) من جهاتها من طرف آخر البيوت التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، وسورها الآن هو طرفها في زمنه صلى الله عليه وسلم، فيحرم قطع ما نبت بنفسه في البيوت الخارجة عنه وذات المدينة خارجة عن ذلك فلا يحرم قطع الشجر الذي بها.
(والجزاء) أي جزاء الصيد (أحد ثلاثة أنواع على التخيير كالفدية)، فإنها ثلاثة أنواع على التخيير بخلاف الهدي.
(يحكم به): على من أتلف الصيد أو تسبب في إتلافه، (ذوا عدل) فلا بد من الحكم، ولا تكفي الفتوى، ولا بد من اثنين فلا يكفي واحد، ولا بد من كونهما غيره، فلا يكفي أن يكون الصائد أحدهما، ولا بد فيهما من العدالة فلا يكفي حكم كافر ولا رقيق ولا فاسق ولا مرتكب ما يخل بالمروءة
ولا بد من كونهما (فقيهين به): أي عالمين بالحكم في الصيد، لأن كل من ولي أمراً فلا بد أن يكون عالماً بما ولي فيه. فلا يكفي جاهل بذلك.
النوع الأول: أفاده بقول (مثله): أي مثل الصيد الذي قتله (من النعم): الإبل والبقر والغنم، أي مثله في القدر والصورة أو القدر ولو في الجملة كما يأتي بيانه.
(يجزئ أضحية) أي لا بد أن يكون بما يجزئ في الأضحية سناً وسلامة فلا يجزئ صغيراً ولا معيباً، وإن كان الصيد صغيراً أو معيباً.
(و) إذا اختار المثل من النعم فـ (محله) الذي يذبح أو ينحر فيه (منى أو مكة)، ولا يجزئ في غيرهما (لأنه هدي) أي صار حكمه حكم الهدي الآتي بيانه، قال الله تعالى: {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: ٩٥].
وأشار للنوع الثاني بقوله: (أو قيمته) أي الصيد (طعاماً) بأن يقوم بطعام من غالب طعام أهل ذلك المكان الذي يخرج فيه وتعتبر القيمة والإخراج (يوم التلف بمحله) أي محل التلف
ــ
كذا في الحاشية.
قوله: [ولا جزاء فيما حرم قطعه]: أي لأن الجزاء لا يكون إلا في صيد الحرم أو المحرم.
قوله: [كصيد حرم المدينة]: التشبيه في تحريم قطع شجر حرم مكة وعدم الجزاء فيه.
قوله: [ولا جزاء فيه إن قتله]: ولا يلزم من عدم الجزاء خفة الحرمة فيه، بل المدينة أشد؛ لأن صيدها كاليمين الغموس الذي لا كفارة له كذا قيل. لكن قال ابن رشد: اعلم أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا صاد صيداً في حرم المدينة، فمنهم من أوجب فيه الجزاء كحرم مكة سواء، وبذلك قال ابن نافع، وإليه ذهب عبد الوهاب، وذهب مالك إلى أن الصيد فيها أخف من الصيد في حرم مكة، فلم ير على من صاد في حرمها إلا الاستغفار والزجر من الإمام، فقيل له: هل يؤكل الصيد الذي يصاد في حرم المدينة؟ فقال: ما هو مثل ما يصاد في حرم مكة، وإني لأكرهه، فروجع في ذلك، فقال: لا أدري. انتهى، فعلم منه أن عدم الجزاء في صيد حرم المدينة قول مالك، وأنه أخف من صيد حرم مكة، فقول شارحنا: ويحرم أكله تبع فيه الخرشي وهو خلاف قول مالك كما علمت.
قوله: [وهو ما بين الحرار الأربع]: فيه شيء إنما ذكر حرتين، والجواب أنه لما كان لكل حرة طرفان اعتبر كل طرف حرة.
قوله: [على ما تقدم في شجر حرم مكة]: أي سواء بسواء وما يستثنى هناك يستثنى هنا.
قوله: [والحرم بالنسبة له]: أي لقطع الشجر، وأما بالنسبة للصيد فالمدينة داخلة، فكما يحرم صيد خارجها يحرم صيد داخلها.
قوله: [بريد من كل جهة]: أظهر من قول خليل بريد في بريد، فلذلك اعترضوه بأن البريد في البريد واحد فيكون الحرم من كل جهة ربع بريد لا بريداً، وأجابوا عنه بأن في بمعنى مع على حد قوله تعالى: {ادخلوا في أمم} [الأعراف: ٣٨] والمعنى بريد مصاحب لبريد حتى تستوفى جميع جهاتها.
قوله: [فلا بد من الحكم]: ظاهره لا بد من لفظ الحكم في كل من الثلاثة: الهدي والإطعام والصوم، خلافاً لابن عرفة من عدم اشتراطه في الصوم. قال في الحاشية: وانظر هل يشترط في العدلين أن لا يكونا متأكدي القرابة؟ اهـ.
قوله: [فلا يكفي حكم كافر] إلخ أي: ولا صبي لأن العدالة تستلزم تلك الشروط، وإنما اشترط فيهما العدالة لقول الله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة: ٩٥].
قوله: [أي عالمين بالحكم في الصيد]: أي فلا يشترط أن يكونا عالمين بجميع أبواب الفقه.
قوله: [في القدر والصورة] أي إن كان يماثل الأنعام فيهما.
وقوله: [أو القدر]: أي إن تعذر مماثلة الصورة.
قولة: [فلا يجزئ صغيراً ولا معيباً] هكذا نسخة المؤلف بالنصب، وهما منصوبان على الحال من فاعل يجزئ، تقديره فلا يجزئ هو أي المثل من النعم حال كونه صغيراً أو معيباً.
قوله: [منى]: أي بالشروط الثلاثة الآتية.
وقوله: [أو مكة]: أي إن لم توجد الشروط الثلاثة.
قوله: [وتعتبر القيمة والإخراج يوم التلف]: حاصله أنه إذا أخرج الجزاء هدياً اختص بالحرم، وإن أراد الصيام صام حيث شاء، وإن أراد أن يخرج طعاماً فلا بد من اعتبار القيمة في محل التلف، وإن كان التقويم