للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر القسم الثاني -وهو صده عن البيت فقط - بقوله: (وإن وقف) بعرفة (وحصر عن البيت): بعدو أو مرض أو حبس ولو بحق (فقد أدرك الحج، ولا يحل إلا بالإفاضة ولو بعد سنين).

وذكر الثالث وهو ما إذا حصر عن البيت وعرفة معاً بقوله:

(وإن حصر عنهما بعدو) صده عنهما معاً، (أو حبس) لا بحق بل (ظلماً فله التحلل متى شاء) وهو الأفضل (بالنية، ولو دخل مكة) أو قاربها وليس عليه التحلل بفعل عمرة، وله البقاء على إحرامه حتى يتمكن من البيت فيحل بعمرة أو لقابل حتى يقف ويتم حجه.

ومثل من صد عنهما معاً بما ذكر من صد عن الوقوف فقط بمكان بعيد عن مكة أي فله التحلل بالنية كما صرحوا به.

(ونحر) عند تحلله بالنية (هديه) الذي كان معه، (وحلق) أو قصر بشرطين: أشار للأول بقوله: (إن لم يعلم بالمانع) حين إرادة إحرامه.

وللثاني بقوله: (وأيس) وقت حصوله (من زواله قبل فواته) أي علم أو ظن أنه لا يزول قبل الوقوف فيتحلل قبل الوقوف لكن المعتمد عند الأشياخ أنه لا يتحلل إلا بحيث لو سار إلى عرفة من مكانه لم يدرك الوقوف، أو زال المانع، فإن علم أو ظن أو شك أنه يزول قبله فلا يتحلل حتى يفوت، فإن فات فيفعل عمرة كما لو أحرم عالماً بالمانع أو حبس بحق أو منع لمرض أو خطأ عدد.

(ولا دم) على المحصور بما ذكر عند ابن القاسم، وقال أشهب: عليه دم لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: ١٩٦].

(وعليه) أي على المتحلل بفعل عمرة أو بالنية (حجة الفريضة) ولا تسقط عنه بالتحلل المذكور.

(كأن أحصر عن البيت) بما ذكر بالشرطين: أن لا يعلم بالمانع وأن لا يتمكن من البيت إلا بمشقة، (في العمرة) فإنه يتحلل بالنية متى شاء وحلق ونحر هديه إن كان ولا دم عليه وعليه سنة العمرة.

ــ

أن إنشاء العمرة على الحج لغو، وهذه الأقوال الثلاثة لابن القاسم في المدونة، ولم يختلف قوله فيها ثلاثاً إلا في هذه المسألة، وأما مالك فقد اختلف قوله فيها ثلاثاً في مواضع متعددة.

قوله: [وهو صده عن البيت فقط] ظاهر أنه لم يمنع من غيره، وفي الحقيقة لا مفهوم لقوله: " فقط "، بل المراد أنه أدرك الوقوف وحصر عن البيت، سواء حصر عما بعد الوقوف أيضاً أم لا، ولذلك قال خليل: وإن وقف وحصر عن البيت فحجه تم. ولا يحل إلا بالإفاضة. وعليه للرمي ومبيت منى ومزدلفة هدي.

قوله: [ولا يحل إلا بالإفاضة]: هذا إذا كان قدم السعي عند القدوم، ثم حصر بعد ذلك، وأما إذا لم يكن قدم السعي فلا يحل إلا بالإفاضة والسعي.

قوله: [أو حبس لا بحق] إلخ: اعتبار كون الحبس ظلماً بالنية لحال الشخص في نفسه، لأن الإحلال والإحرام من الأحكام التي بين العبد وربه كما استظهره ابن عبد السلام، وقبله في التوضيح، وظاهر الطراز يوافقه كذا في (بن) نقله محشي الأصل. وذكر في الحاشية: أن الريح إذا تعذر على أصحاب السفن لا يكون كحصار العدو، بل هو مثل المرض لأنهم يقتدرون على الخروج فيمشون. اهـ. وقد يقال كلامه في الحاشية ظاهر إن أمكن ذلك مع الأمن على النفس والمال، ومفهوم قوله: " ظلماً " أنه لو كان حبسه بحق لا يباح له التحلل بالنية، بل يدفع ما عليه ويتم نسكه، وأما من يحبس في تغريب الزنا فهو كالمريض لا يتحلل إلا بعمرة حيث فاته الحج.

قوله: [فله التحلل متى شاء] أي مما هو محرم به وقوله: " بالنية " هو المشهور خلافاً لمن قال: لا يتحلل إلا بنحر الهدي والحلق، بل الحلق سنة وليس الهدي بواجب خلافاً لأشهب، وما ذكره الشارح من أفضلية التحلل عن البقاء على إحرامه مطلقاً قارب مكة أو لا، دخلها أو لا، هو الصواب كما يأتي، وأما قول الخرشي: فله البقاء لقابل إن كان على بعد، ويكره له إن قارب مكة أو دخلها، فغير صواب، لأن ما قاله الخرشي إنما هو في الذي لا يتحلل إلا بفعل عمرة لتمكنه من البيت، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله: [وليس عليه التحلل بفعل عمرة] أي لأن الفرض أنه ممنوع من البيت وعرفة معاً فلا يكلف بما لا قدرة له [١] عليه، غاية ما هناك يخير كما قال الشارح.

قوله: [إن لم يعلم بالمانع]: ومثله ما لو علم، وظن أنه لا يمنعه فمنعه فله أن يتحلل بالنية أيضاً كما وقع له - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، فإنه أحرم بالعمرة وهو عالم بالعدو ظاناً أنه لا يمنعه، فلما منعه تحلل بالنية، فقول المصنف إن لم يعلم في مفهومه تفصيل.

قوله: [لكن المعتمد عند الأشياخ] أي والموضوع أنه وقت إحرامه كان يدرك الوقوف إن لم يكن مانع، وأما لو أحرم بوقت لا يدرك فيه الحج وجد مانع أم لا، فليس له التحلل لأنه داخل على البقاء على إحرامه.

قوله: [فإن فات فيفعل عمرة] أي بعد زوال المانع عن البيت.

قوله: [كما لو أحرم عالماً بالمانع] تشبيه في كونه لا يتحلل إلا بفعل عمرة.

قوله: لقوله تعالى {فإن أحصرتم} [البقرة: ١٩٦] إلخ: وأجيب بأن الهدي في الآية لم يكن لأجل الحصر، وإنما ساقه بعضهم تطوعاً فأمر بذبحه فلا دليل فيها على الوجوب.

قوله: [ولا تسقط عنه بالتحلل المذكور] أي ولو كان الحصر من عدو أو من حبس ظلماً بخلاف حجة التطوع، فيقضيها إذا كان لمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق، وأما لو كان لعدو أو فتنة أو حبس ظلماً فلا يطالب بالقضاء.

قوله: [فإنه يتحلل بالنية متى شاء] أي كما وقع لرسول الله وأصحابه في الحديبية.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>