للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتؤولت أيضاً على أنه إن قصدها ابتداء لم تؤكل، واتفقوا على أنه إذا لم يقصد ذلك ابتداء وإنما قصده بعد قطع الحلقوم والودجين، أو لم يقصد أصلاً وإنما غلبته السكين حتى قطعت الرأس فإنها تؤكل.

ثم شرع في بيان ما تعمل فيه الذكاة مما يتوهم خلافه وما لا تعمل فيه فقال: (وأكل المذكى وإن أيس) قبل تذكية (من حياته) لا بإنفاذ مقتله، بل (بإضناء مرض) أي بسبب ذلك (أو) بسبب (انتفاخ) لها (بعشب) كبرسيم (أو) بسبب (دق عنق) أو سقوط من شاهق أو غير ذلك مما يأتي قريباً إذا لم ينفذ بذلك مقتل كما سيصرح به بعده.

(بقوة حركة) الباء للمعية: أي أن محل أكل ما أيس من حياته بالذكاة أن يصحبها قوة حركة عقب الذبح كمد رجل وضمها لا مجرد مد أو ضم أو ارتعاش أو فتح عين أو ضمها، فلا يكفي. وقيل: إن مد الرجل فقط أو ضمها فقط كاف في حلها لدلالة ذلك على حياتها حال الذبح.

(أو شخب دم) منها وإن لم تتحرك. ولا يكفي مجرد سيلانه بخلاف غير الميئوس من حياتها وهي الصحيحة، فيكفي فيها سيلانه كما أشار له بقوله: (كسيله) أي الدم ولو بلا شخب (في صحيحة) لم يضنها المرض ولم يصبها شيء مما مر فإنه يكفي في حلها مجرد السيلان.

ثم قيد جواز أكل المذكي الميئوس من حياته بقوله:

(إن لم ينفذ) قبل الذبح (مقتلها): فإن نفذ لم تعمل فيها الذكاة وكانت ميتة كما سيصرح.

ونفاذ المقتل واحد من خمسة أمور بينها بقوله:

(بقطع نخاع) مثلث النون: المخ الذي في فقار الظهر أو العنق متى قطع لا يعيش، وأما كسر الصلب بدون قطع النخاع فليس بمقتل [١].

(أو) قطع (ودج) وأولى الاثنين، وأما شقه بلا قطع ففيه قولان على أنه ليس بمقتل تعمل فيه الذكاة.

(ونثر دماغ) وهو ما تحويه الجمجمة، وأما شرخ الرأس أو خرق خريطة الدماغ بلا انتشار فليس بمقتل.

(أو) نثر (حشوة) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون المعجمة: وهي ما حوته البطن من قلب وكبد وطحال وكلوة وأمعاء؛ أي إزالة ما ذكر عن موضعه بحيث لا يمكن عادة رده لموضعه.

(وثقب) أي خرق (مصران) وأولى قطعه وأما ثقب الكرش فليس بمقتل، فالبهيمة المنتفخة إذا ذكيت فوجدت متقوبة الكرش تؤكل على المعتمد.

ــ

من التعذيب، وقد ورد النهي عن ذلك ويستحب أن تترك حتى تبرد إلا السمك فيجوز تقطيعه وإلقاؤه في النار قبل موته عند ابن القاسم، لأنه لما كان لا يحتاج لذكاة صار ما وقع فيه من الإلقاء، وما معه بمنزلة ما وقع في غيره بعد تمام ذكاته. اهـ من حاشية الأصل، وقد يقال: علة تعذيب الحيوان موجودة فلا أقل من الكراهة تأمل.

قوله: [وتؤولت أيضاً]: حاصله إذا تعمد إبانة الرأس وأبانها فهل تؤكل تلك الذبيحة مع الكراهة لذلك الفعل أو لا تؤكل أصلاً؟ قولان في المدونة: أولهما لابن القاسم وإنما حكم بكراهة ذلك الفعل لأن إبانة الرأس بعد تمام الذكاة بمثابة قطع عضو بعد انتهاء الذبح وقبل الموت فهذا مكروه.

والقول الثاني لمالك؛ واختلف الأشياخ هل بين القولين خلاف أو وفاق؟ فحمل بعضهم القولين على الخلاف، والمعتمد كلام ابن القاسم وحمله بعضهم على الوفاق. ورد قول ابن القاسم لقول مالك فحمله على ما إذا لم يتعمد الإبانة ابتداء، بل تعمدها بعد الذكاة. وأما لو تعمدها ابتداء فلا تؤكل كما يقول مالك: فقول المصنف: (وتعمد إبانة الرأس) هو قول ابن القاسم بناء على الخلاف، وقول الشارح: (وتؤولت أيضاً) هذا إشارة إلى القول بالوفاق.

قوله: [وإن أيس قبل تذكيته من حياته]: دخل فيما قبل المبالغة: محقق الحياة ومرجوها ومشكوكها، ورد بالمبالغة قول مختصر الوقار: لا تصح ذكاة الميئوس من حياته.

قوله: [بقوة حركة]: سواء كان التحرك من الأعالي أو الأسافل سال الدم أو لا كان مع الذبح أو بعده كانت صحيحة أو مريضة.

قوله: [فلا يكفي]: سواء كان معها سيلان دم أو لا.

قوله: [وقيل إن مد الرجل] إلخ: مقابل للمشهور وإن كان هو الأظهر.

قوله: [أو شخب دم]: أي خروجه بقوة.

قوله: [ولا يكفي مجرد سيلانه] أي سيلانه المجرد عن الشخب وعن التحرك القوي.

قوله: [فإنه يكفي في حلها مجرد السيلان] أي وإن لم تتحرك أصلاً.

والحاصل: أن كلاً من التحرك القوي وشخب الدم يكفي في الضحية والمريضة ولو كان ميئوساً حياتها، والحال أنها غير منفوذة المقاتل، وأما سيلان الدم والتحرك الغير القوي فلا يكفي اجتماعاً وانفراداً إلا في غير الميئوس منها، ولا يكفي في الميئوس منها.

قوله: [الذي في فقار الظهر]: بفتح الفاء جمع فقرة.

قوله: [وثقب] أي خرق مصران خلافاً لما في المواق من أن ثقب المصران وشقه ليس بمقتل لأنه قد يلتئم، وإنما المقتل فيه قطعه وانتشاره، ومصران بضم الميم: جمع مصير، كرغيف ورغفان، وجمع الجمع مصارين كسلطان وسلاطين، وجمعه باعتبار طياته، فإذا علمت ذلك فالمناسب للمصنف أن يعبر بالمفرد.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (بقتل).

<<  <  ج: ص:  >  >>