(وليس لعنوي إحداث كنيسة) ببلد العنوة، (ولا رَمُّ منهدمٍ إلا إن شرط) الإحداث عند ضرب الجزية عليه، أي إن سأل من الإمام (ورضي الإمام) به، وإلا فهو مقهور لا يتأتى منه شرط. وهذا الذي أثبتناه هو قول مالك وابن القاسم في المدونة، وأقره أبو الحسن فهو المعتمد خلافاً لما ذكره بعض الشراح من أنه ليس له ذلك مطلقاً شرط أو لم يشترط على الراجح، فما مشى عليه الشيخ هو المعتمد.
ونص المدونة في باب الجعل والإجارة. مالك: وليس لأهل الذمة أن يحدثوا ببلد الإسلام كنائس إلا أن يكون لهم أمن أعطوه، ابن القاسم: ليس لهم أن يحدثوا الكنائس في بلاد العنوة لأنها فيء لا تورث عنهم، وإن أسلموا لم يكن لهم فيها شيء. اهـ.
(وللصلحي ذلك): أي الإحداث والترميم في أرضه مطلقاً شرط أو لا (في غير ما اختطه المسلمون) كالقاهرة، فليس لعنوي ولا صلحي إحداث كنيسة فيها قطعاً، ولا ترميم منهدم فيما أحدثوه بها، بل يجب هدمها (إلا لمفسدة أعظم) من الإحداث فلا يمنع ارتكاباً لأخف الضررين، وملوك مصر لضعف إيمانهم قد مكنوهم من ذلك ولم يقدر عالم على الإنكار إلا بقلبه أو بلسانه لا بيده، وزاد أمراء الزمان أن أعزوهم، وعلى المسلمين رفعوهم، ويا ليت المسلمين عندهم كمعشار أهل الذمة وترى المسلمين كثيراً ما يقولون: ليت الأمراء يضربون علينا الجزية كالنصارى واليهود، ويتركونا بعد ذلك كما تركوهم، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [الشعراء: ٢٢٧].
(ومنع) ذمي (ركوب خيل وبغال، و) ركوب (سروج) أي عليها (وبراذع نفيسة) ولو على حمير، (و) مشي في (جادة) أي وسط (طريق) بل يمشي بجانبها (إلا لخلوها) فيمشي وسطها (وألزم) قهراً عنه (بلبس يميزه) عن المسلمين كزنار وطرطور وبرنيطة وعمامة زرقاء.
(وعزر لإظهار السكر) التعزير اللائق به، (و) عزر لإظهار (معتقده) أي الذي كفر به مما لا ضرر فيه على المسلمين، (و) على (بسط) أي إطلاق (لسانه) بين المسلمين.
(وأريقت الخمر وكسر الناقوس) إن أظهرهما (وانتقض عهده) فيكون هو وماله فيئاً (بقتال لعامة المسلمين): أي على وجه يقتضي الخروج عليهم.
(ومنع الجزية) لأنه إنما أمن في نظير دفعها، (وتمرد على الأحكام) الشرعية بإظهار عدم المبالاة بها. (وغصب حرة مسلمة) لا كافرة ولا رقيق؛ أي على أن يزني بها أو زنى بالفعل وإلا لم ينتقض عهده (وغرورها) أي الحرة المسلمة بأنه مسلم وتزوجها ووطئها.
(وتطلعه على عورات المسلمين) بأن يكون جاسوساً يطلع الحربيين على عورات المسلمين بنفسه أو رسوله أو كتابه، والمراد بالعورات المحلات الخالية عن الحرس والرباط.
(وسب نبي بما لم يكفر به): أي بما لم نقرهم عليه من كفرهم لا بما أقر به، نحو عيسى ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أو محمد لم يرسل إلينا وإنما أرسل للعرب، (كليس): أي كقوله ليس (بنبي) أصلاً (أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن أو تقوله) من عند نفسه.
ــ
قوله: [ببلد العنوة]: أي التي أقر بها ذلك العنوي، سواء كان به مسلمون أم لا. ومفهوم "إحداث" أن القديمة تبقى ولو بلا شرط كما هو مذهب ابن القاسم، ولو أكل البحر كنيستهم فهل لهم أن ينقلوها أو يفصل بين كونهم شرطوا ذلك أم لا؟ وهو الظاهر كذا في الحاشية نقلاً عن كبير الخرشي.
قوله: [خلافاً لما ذكره بعض الشراح]: أي وهو البساطي.
والحاصل أن العنوي لا يمكن من الإحداث في بلد العنوة، سواء كان أهلها كلهم كفاراً، أو سكن المسلمون معهم فيها إلا باستئذان من الإمام وقت ضرب الجزية، وكذا رم المنهدم على المعتمد.
قوله: [في غير ما اختطه المسلمون]: أي أنشأه المسلمون استقلالاً، فإن القاهرة أنشأها المسلمون بعد الفتح بالزمن الطويل، وما قيل في القاهرة يقال في غيرها من البلاد التي اختطها المسلمون.
قوله: [وأريقت الخمر]: ظاهره أنها لا تكسر أوانيها، وفي ابن عرفة أنها تكسر وهو الصواب وقد اقتصر عليه المواق والبرزلي وإنما أريقت الخمر دون غيرها من النجاسات لأن النفس تشتهيها، وظاهر المصنف أن كل مسلم له إراقتها ولا يختص ذلك بالحاكم، ومثل إظهار الخمر والناقوس حملهما من بلد لآخر، فإن لم يظهرهما وأتلفهما عليه مسلم ضمن له قيمتها لتعديه وكذا يكسر صليبه إن أظهره.
قوله: [لعامة المسلمين]: أي غير مختص بواحد.
قوله: [ومنع الجزية]: يقيد كما قال البدر بمنعها تمرداً ونبذاً للعهد لا لمجرد بخل فيجبر عليها ولا يعد ناقضاً.
قوله: [وغصب حرة]: أي وأما زناه بها طائعة فإنما يوجب تعزيره وحدت هي.
قوله: [لا كافرة ولا رقيق]: فلو زنى بأمة مسلمة أو بحرة كافرة طوعاً أو كرهاً فلا يكون ذلك نقضاً لعهده وإنما يعزر.
قوله: [وتزوجها ووطئها]: أي وأما لو تزوجها مع علمها بكفره من غير غرور فلا يكون نقضاً لعهده ويعزر.
قوله: [بأن يكون جاسوساً] إلخ: ففي المواق عن سحنون إن وجدنا في أرض المسلمين ذمياً كاتباً لأهل الشرك بعورات المسلمين قتل ليكون نكالاً لغيره.
قوله: [وسب نبي]: أي مجمع على نبوته عندنا معشر المسلمين وإن أنكرها اليهود كنبوة داود وسليمان. وأما سبه المختلف فيه عندنا كالخضر ولقمان فلا ينتقض به عهده وإنما يعزر.
قوله: [أي بما لم نقرهم عليه]: من ذلك ما وقع من بعض نصارى مصر كما حكاه خليل بقوله: مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة، ما له لم ينفع نفسه حين أكلته الكلاب؟ فأرسل لمالك