للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا قدم من إقليم إلى إقليم آخر أخذ منه ما ذكر، وما دام في إقليمه كالمصري ينتقل بتجارته من الإسكندرية إلى القاهرة مثلاً، لم يؤخذ منه شيء كما سينص عليه (و) أخذ منهم (عشر عرض) أو حيوان (اشتروه) في غير إقليمهم (بعين أو عروض قدموا بها) من بلادهم لا بثمن ما باعوه، لأنه قد أخذ منهم عشره فلا يؤخذ منهم مما اشتروه بالباقي شيء.

وبالغ على أخذ عشر الثمن منهم بقوله: (ولو اختلفوا) أي ترددوا إلى غير إقليمهم (في السنة مراراً) لفعل عمر رضي الله عنهم، ولأن العلة الانتفاع، وقالت الحنفية: لا يؤخذ منهم في الحول إلا مرة كالزكاة، وقالت الشافعية: لا يؤخذ من الذمي شيء كالمسلم.

وفرع على ما قدمه قوله: (فلو اشتروا) سلعاً (بإقليم) غير إقليمهم (وباعوا) ما اشتروه (بآخر) أي بإقليم آخر كأن يشتري مصري سلعاً في الشام ويبيعها بالروم (أخذ منهم) العشر (عند كل) من الإقليمين فأكثر لكن الذي اشتروا فيه يؤخذ منهم فيه عشر السلع المشتراة، والذي باعوا فيه يؤخذ منهم فيه عشر ثمن ما باعوه على ما تقدم (إلا) إذا باعوا أو اشتروا (بإقليمهم) ولو بانتقالهم من بلد لآخر فلا يؤخذ منهم شيء ولو تباعد ما بين البلدين ثم استثنى من قوله: "أخذ عشر ثمن" إلخ قوله (إلا) إذا جلبوا (الطعام بالحرمين فقط)، أي إليهما والمراد مكة والمدينة وما ألحق بهما من البلاد، ومراده بالطعام كل ما يقتات به أو يجري مجراه فيشمل جميع الحبوب والزيوت والأدهان وما ألحق بذلك كملح وبصل وتابل، (فنصف عشر ثمنه) أي يؤخذ منهم. وإنما خفف عنهم في الطعام في البلدين لشدة حاجة أهلهما له فيكثر جلبه إليهما وهذه العلة كما تجري في أهل الذمة تجري في الحربيين إذا دخلوهما بأمان.

(وأخذ من تجار الحربيين النازلين) عندنا (بأمان عشر ما قدموا به) للتجارة من عروض وطعام باعوا أو لم يبيعوا والذي له الأخذ منهم عامل أول قطر دخلوه، ولا يؤخذ منهم إذا انتقلوا لآخر ما داموا في بلادنا حتى يذهبوا لبلادهم وينقلبوا إلينا مرة أخرى، لأن جميع بلاد الإسلام كالبلد الواحد بالنسبة إليهم، وأما أهل الذمة فعلة الأخذ منهم الانتفاع وهم غير ممنوعين من بلاد الإسلام، فكلما تكرر نفعهم تكرر الأخذ منهم، (إلا لشرط) فيؤخذ منهم ما وقع الاشتراط عليه قل أو كثر، ولا [١] قدموا بعين للتجارة أخذ عشر قيمة ما اشتروه بها، ولا يمكنون من بيع خمر إلا إذا حملوه لأهل الذمة فيمكنون من بيعه لهم، ويؤخذ منهم عشر ثمن ما باعوه منه.

(ولا يعاد) الأخذ منهم (إن رحلوا) من أفق (لأفق آخر) لما قدمنا من أن جميع بلاد الإسلام كالبلد الواحد بالنسبة إليهم، فما داموا فيها لم يتكرر الأخذ منهم حتى يذهبوا لبلادهم، ثم يرجعوا بأمان آخر ولو تكرر في السنة مراراً؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة: يؤخذ منهم مرة فقط في العام.

(والإجماع على حرمة الأخذ من المسلمين

ــ

قوله: [من إقليم إلى إقليم آخر]: مراده بالإقليم القطر وإن لم يكن أحد الأقاليم السبعة التي تقدم بيانها بدليل الأخذ ممن أخذ سلعاً من الشام، وباعها بمصر أو عكسه، فالعبرة بها لا بالسلاطين إذ لا يجوز تعدد السلطان كما قاله التتائي، وقيل يجوز عند تباعد الأقطار.

قوله: [وأخذ منهم عشر عرض أو حيوان] إلخ: انظر هذا مع قول العلامة العدوي في حاشية أبي الحسن: الحاصل أنهم إن قدموا من أفق إلى أفق آخر بعوض [٢] وباعوه بعين أخذ منهم عشر الثمن، وإن قدموا بعين واشتروا به عرضاً أخذ منهم عشر العرض على المشهور، لا عشر قيمته. وإن قدموا بعرض واشتروا به عرضاً آخر فعليهم عشر قيمة ما اشتروا لا عشر عين ما قدموا به. ولا يتكرر عليهم الأخذ بتكرر بيعهم وشرائهم ما داموا بأفق واحد، فإن باعوا بأفق كالشام أو العراق، واشتروا بآخر كمصر أخذ منهم عشر في الأول وعشر في الثاني. كما أنه يتكرر الأخذ منهم إن قدموا بعد ذهابهم لبلدهم، ولو مراراً في سنة واحدة اهـ فإن بين الكلامين مخالفة لا تخفى.

قوله: [ثم استثنى من قوله] إلخ: إنما استثنى ذلك لما رواه مالك في الموطإ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه: " أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من القبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ".

قوله: [لشدة حاجة أهلهما]: وقيل لفضلهما، وفي ابن ناجي ظاهر كلام الشيخ يعني صاحب الرسالة أن قرى مكة والمدينة ليست كهما وألحقها ابن الجلاب بهما اهـ وهو المعتمد. قوله: [تجري في الحربيين]: قال ابن عمر وهل الحربيون مثل ذلك أم لا؟ فإن نظرنا إلى العلة فالعلة جارية في الجميع، قال الشيخ العدوي في حاشية أبي الحسن والظاهر أنهم مثلهم.

قوله: [وأما أهل الذمة]: أي فهذا هو الفرق بين أهل الذمة والحربيين.

قوله: [قل أو كثر]: حاصله أنه قبل نزولهم يجوز أن يتفق معهم على أكثر من العشر وإن بأضعاف وإن كان بعد النزول لم يؤخذ منهم إلا العشر كما أفاده الشيخ العدوي في حاشية أبي الحسن.

قوله: [فيمكنون من بيعه لهم]: أي على المشهور. ومقابله لا يمكنون والخلاف مبني على تكليفهم بفروع الشريعة أو لا ذكره في التوضيح.

قوله: [وقال الشافعي وأبو حنيفة] إلخ: هذا في الحربيين. ومثلهم أهل الذمة عند أبي حنيفة كما تقدم، وأما عند الشافعي فهم كالمسلمين لا شيء عليهم كما تقدم.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (ولو)، ولعله الصواب.
[٢] كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب: (بعرض).

<<  <  ج: ص:  >  >>