فالتخيير في صورتين.
(و) صح النكاح (بأبعد) من الأولياء كعم وابنه (مع) وجود (أقرب لا يجبر) كأب وابن في شريفة وغيرها فلا يفسخ بحال، (وإلا) بأن كان الولي مجبراً -كسيد وكأب أو وصيه في بكر أو صغيرة أو مجنونة- (فلا) يصح النكاح بالأبعد مع وجوده في شريفة لا دنيئة.
(وفسخ أبداً) متى اطلع عليه ولو بعد مائة سنة.
وبقي الكلام في تولي الأبعد العقد مع وجود أقرب غير مجبر، هل يجوز أو لا؟ قال المصنف هنا: "ولم يجز" وهو مبني على أن قوله: "وقدم ابن فابنه" إلخ معناه على سبيل الوجوب الغير الشرطي وقال بعضهم: بل يجوز ابتداء غايته أنه مكروه أو خلاف الأولى، ورجح وهو الذي درجنا عليه بقولنا: "والأولى تقديم ابن" إلخ. واستثنى من قوله: "وإلا فلا يصح" قوله: (إلا أن يجيز): المجبر (عقد من فوض) المجبر (له أموره) من الأولياء كابن وأخ وجد وغيرهم وثبت التفويض له، (ببينة) لا بمجرد دعوى ولا بإقرار من المجبر بعد العقد، (فيمضي) ذلك العقد ولا يفسخ (إن لم يبعد) بأن قرب ما بين العقد من المفوض له والإجازة من المجبر (على الأوجه) من التأويلين، لأن عقد المفوض مع وجود المجبر خلاف الأصل. والطول مما يزيد ضعفاً فلا يمضي معه ويمضي مع القرب، والتأويل الثاني: يمضي مطلقاً.
(فإن فقد) المجبر (أو أسر، فكموته) ينقل الحق للولي الأقرب فالأقرب دون الحاكم، أي فلا كلام للحاكم مع وجود غيره من الأولياء وقد تبع المصنف في هذا المتيطي، وحكى ابن رشد الاتفاق على أنه كذي الغيبة البعيدة يزوجها الحاكم دون غيره فيكون هو المذهب.
(وإن غاب) المجبر (غيبة بعيدة كإفريقية من مصر) ولم يرج قدومه، (فالحاكم) هو الذي يزوجها بإذنها -وإذنها صماتها- دون غيره من الأولياء (وإن لم يستوطن): أي لم تكن نيته الاستيطان بها (على الأصح) وتؤولت أيضاً على الاستيطان وإنما كان الأمر للحاكم دون غيره، لأن الحاكم ولي الغائب وهو مجبر لا كلام لغيره معه.
فإن كان مرجو القدوم كالتجار فلا يزوجها حاكم ولا غيره (كغيبة) الولي (الأقرب) غير المجبر (الثلاث) ففوق، فيزوجها الحاكم دون الأبعد الحاضر، فإن كان على الأقل من الثلاث كتب له؛ إما أن يحضر أو يوكل، وإلا زوج الحاكم لأنه وكيل الغائب، فإن زوج الأبعد صح لأنها غير مجبرة كما تقدم.
(وإن غاب) المجبر غيبة قريبة (كعشر) أو عشرين يوماً مع أمن الطريق وسلوكها (لم يزوج) المجبرة (حاكم أو غيره) لأنه في حكم الحاضر، لإمكان إيصال الخبر إليه بلا كبير مشقة (وفسخ) أبداً إن وقع. (إلا إذا
ــ
وظاهره أنه إذا حصل منه دخول بعد ذلك لا يقول أحدهم بتحتم الفسخ وليس كذلك، بل القول بتحتم الفسخ جار فيما إذا حصل طول بعد العقد، وقبل الدخول، ولو حصل دخول بعد ذلك كما يؤخذ من حاشية الأصل.
قوله: [فالتخيير في صورتين]: أي اتفاقاً وتحتم الفسخ على أحد القولين في صورة ووجوب الإمضاء في صورة.
قوله: [وصح النكاح]: أي مراعاة للقول بندب الترتيب المتقدم، أو أن الوجوب غير شرطي.
وقوله: [بأبعد]: أي ولو كان الأبعد الحاكم مع وجود أخص الأولياء، فإذا لم ترض المرأة بحضور أحد من أقاربها وزوجها الحاكم كان النكاح صحيحاً، وأما لو وكلت أجنبياً غير الحاكم مع حضور أحد من أقاربها جرى فيها قوله السابق: " وصح بالعامة في دنيئة " إلخ، ثم إن المراد بالأبعد: المؤخر في المرتبة، وبالأقرب المتقدم فيها ولو كانت جهتهما متحدة فيشمل تزويج الأخ للأب مع وجود الشقيق، وليس المراد بالقرب والبعد في خصوص الجهة.
قوله: [وفسخ أبداً]: أي إلا أن يحكم بصحته حاكم كالحنفي.
قوله: [وغيرهم]: أي ولذلك قال ابن حبيب يدخل سائر الأولياء إذا قاموا هذا المقام، قال الأبهري وابن محرز: وكذلك الأجنبي لأنه إذا كانت العلة تفويض المجبر فلا فرق. قوله: [وثبت التفويض له ببينة]: أي تشهد على أن المجبر نص له على التفويض، بأن قال له فوضت لك جميع أموري، أو أقمتك مقامي في جميع أموري، أو تشهد أنهم يرونه يتصرف تصرف الوكيل المفوض له.
قوله: [وقد تبع المصنف في هذا المتيطي]: قال في الحاشية: المشهور ما قاله المتيطي وذلك لتنزيل الأسر والفقد منزلة الموت، بخلاف بعيد الغيبة فإن حياته معلومة.
قوله: [فيكون هو المذهب]: أي ولذلك صوبه بعض الموثقين قائلا: أي فرق بين الفقد والأسر وبعد الغيبة؟
قوله: [من مصر]: أي ما استظهره ابن رشد لأن ابن القاسم كان بها وبينهما ثلاثة أشهر، وقال الأكثر من المدينة لأن مالكاً كان بها وبينهما أربعة أشهر.
قوله: [ولم يرج قدومه]: أي عن قرب.
قوله: [فالحاكم هو الذي يزوجها]: أي إذا كانت بالغاً أو خيف عليها الفساد كما تقدم. قوله: [وتؤولت أيضاً على الاستيطان]: أي بالفعل ولا يكفي مظنته. فعليه من خرج لتجارة ونحوها ونيته العود فلا يزوج الحاكم ابنته، ولو طالت إقامته إلا إذا خيف فسادها أو قصد بغيبته الإضرار بها، فإن تبين ذلك كتب له الحاكم، إما أن تحضر تزوجها أو توكل وكيلاً يزوجها وإلا زوجناها عليك، فإن لم يجب بشيء زوجها الحاكم ولا فسخ كما قال الراجراجي.
قوله: [كغيبة الولي الأقرب] إلخ: حاصله أن الولي الأقرب