كواحدة بائنة؛ نظراً لبائنة كما تقدم لفظاً أو نية بلفظ.
الرابع: ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها كغيرها إن لم ينو أقل وهي ميتة وما عطف عليها.
الخامس: ما يلزم فيه الثلاث مطلقاً ما لم ينو أقل وهو: خليت سبيلك.
السادس: ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها وينوى في غيرها، وهو: وجهي من وجهك حرام إلى آخره.
السابع: ما يلزم فيه واحدة إلا لنية أكثر وهو: فارقتك، وكل ذلك ما لم يدل البساط والقرائن على عدم إرادة الطلاق، وأن المخاطبة بلفظ مما ذكر ليست في معرض الطلاق بحال، وإلى ذلك أشار بقوله: (وصدق في نفيه) أي الطلاق (إن دل بساط عليه) أي على النفي (في الجميع) أي جميع الكنايات الظاهرة (كالصريح): فإنه يصدق في نفيه عند قيام القرائن، كما لو أخذها الطلق عند ولادتها، فقال: أنت طالق إعلاماً أو استعلاماً، أو كانت مربوطة فقالت له هي أو غيرها: أطلقني، فقال: أنت طالق، ونحو ذلك مما يقتضيه الحال.
وحاصل القول في الكناية أنها قسمان: ظاهرة وهي ما شأنها أن تستعمل في الطلاق وحل العصمة، وخفية وهي ما شأنها أن تستعمل في غيره والضابط في الظاهرة على ما يؤخذ من كلامهم في غير واحدة بائنة أن اللفظ إن دل على قطع العصمة بالمرة لزم فيه الطلاق الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولا ينوى، وذلك كبتة، وحبلك على غاربك، ومثلهما: قطعت العصمة بيني وبينك، وعصمتك على كتفك أو على رأس جبل ونحو ذلك، وإن لم يدل على ذلك بل دل على البينونة. والبينونة لغير خلع ثلاث في المدخول بها، وصادقة بواحدة في غيرها فإن كان ظاهراً فيها ظهوراً راجحا فثلاث في المدخول بها جزماً كغيرها ما لم ينو الأقل، كحرام، وميتة، وخلية، وبرية، ووهبتك لأهلك وما ذكر معها، وإن كان اللفظ ظاهراً في البينونة ظهوراً مساوياً فثلاث مطلقاً إلا لنية أقل، كخليت سبيلك وإن كان مرجوحاً لزمه الواحدة ما لم ينو أكثر كفارقتك وأما سائبة، أو ليس بيني وبينك حرام ولا حلال، فهذا من قبيل: وجهي من وجهك حرام، وما أنقلب إليه من أهل حرام وهو ثلاث في المدخول بها، وينوي في غيرها، فإن لم يكن له نية فهل يحمل على الثلاث لأنه الأصل في البينونة؟ فيكون من قبيل كالميتة وأنت حرام وبائن فلا يحمل في غير المدخول بها على الأقل إلا إذا نواه وهو ظاهر ما لأصبغ، أو يحمل على الواحدة إلا لنية أكثر؟ والأول أظهر والله أعلم هذا كله في الكناية الظاهرة.
وأما الكناية الخفية فأشار لها بقوله: (و) نوي (فيه): أي في أصل الطلاق، (وفي عدده في) كل كناية خفية توهم قصد الطلاق نحو: (اذهبي وانصرفي) وانطلقي (أو) أنا (لم أتزوج، أو قيل له: ألك امرأة؟ فقال لا، أو) قال لها: (أنت حرة أو معتقة أو ألحقي بأهلك)، فإن ادعى عدم الطلاق صدق، وإن ادعى عدداً واحدة أو أكثر صدق، فإن ادعى أنه نوى الطلاق ولم ينو عدداً لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها (وعوقب) الآتي بهذه الألفاظ الموجبة للتلبيس على نفسه وعلى الناس (وإن قصده بكلمة) كاسقني (أو صوت) ساذج (لزم) وهذا من الكناية الخفية عند الفقهاء، وإن لم يستعمل في لازم معناه (لا) يلزم (إن قصد التلفظ به) أي بالطلاق، (فعدل لغيره غلطاً) كما لو أراد أن يقول: أنت طالق، فالتفت لسانه بقوله: أنت قائمة، قال مالك: من أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: كلي أو اشربي فلا يلزمه شيء أي لعدم وجود ركنه وهو اللفظ الدال عليه أو غيره مع نيته، بل أراد إيقاعه بلفظه،
ــ
ما معناه: إن نحو هذه الألفاظ من برية وخلية وحبلك على غاربك ورددتك، إنما كان لعرف سابق، وأما الآن فلا يحل للمفتي أن يفتي بها إلا لمن عرف معناها وإلا كانت من الكنايات الخفية، فلا نجد أحداً اليوم يطلق امرأته بخلية ولا برية. والحاصل أنه لا يحل للمفتي أن يفتي بالطلاق حتى يعلم العرف في ذلك البلد. اهـ.
قوله: [وهي ميتة وما عطف عليها]: أي من قوله والدم ولحم الخنزير، وعرفنا الآن أن هذه الألفاظ الثلاثة من الكناية الخفية.
قوله: [وينوي في غيرها]: أي فإن نوى ثلاثاً لزمته، أو أقل لزمه ما نواه، فإن لم تكن له نية فقيل يحمل على الثلاث وقيل على الواحدة، وعلى الأول يكون القسم السادس متحداً مع القسم الرابع فتأمل، وسيأتي يوضح الشارح ذلك في آخر عبارته.
قوله: [ما يلزم فيه واحدة إلا لنية أكثر]: أي لا فرق بين المدخول بها وغيرها فغاير القسم الأول وهو اعتدى، فإنه في غير المدخول بها كناية خفية لا يلزمه شيء إلا بالنية.
قوله: [والقرائن]: وأعظم القرائن العرف.
قوله: [كما لو أخذها الطلق]: مثال للبساط في الصريح.
قوله: [إعلاماً]: أي لغيره، وقوله: [أو استعلاماً] أي طالباً العلم لنفسه.
قوله: [وهي ما شأنها أن تستعمل]: أي عرفاً.
قوله: [وذلك كبتة] إلخ: أي على حسب العرف الماضي.
قوله: [وأما الكناية الخفية]: أي وهي ما شأنها أن تستعمل في غيره كما تقدم.
قوله: [عند الفقهاء]: أي كما قال ابن عرفة، وقال ابن الحاجب وابن شاس إنه ليس بكناية ولا صريح ومقتضى كلامهما عدم لزوم الطلاق بهذه الألفاظ، ولو نوى به الطلاق، والمعول عليه الأول، فيلزم إذا نواه بالصوت الساذج أو المزمار، وأما الصوت الضرب باليد فمن الفعل الذي يحتاج