للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في الإيلاء وأحكامها

(الإيلاء) شرعاً المشار إليه بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: ٢٢٦] الآية (حلف الزوج) لا السيد (المسلم) لا الكافر (المكلف) لا الصبي والمجنون (الممكن وطؤه) خرج المجبوب والخصي: أي مقطوع الذكر، والشيخ الفاني، فلا ينعقد لهم إيلاء، ودخل في الزوج المذكور العبد والمريض الذي له قدرة على الوقاع والسكران (بما) متعلق (بحلف) أي حلفه بكل ما (يدل على ترك وطء زوجته) الحرة أو الأمة، سواء كان حلفه بالله أو بصفة من صفاته، أو بالطلاق أو بالعتق، أو بمشي لمكة أو بالتزام قربة، (غير المرضع) فلا إيلاء في مرضع لما في ترك وطئها من إصلاح الولد، (أكثر من أربعة أشهر) للحر، (أو) أكثر من (شهرين للعبد) ولو بشائبة، ولا ينتقل لأجل الحر إن عتق في الأجل، (تصريحاً) بالأكثر (أو احتمالاً) له وللأقل؛ (قيد) بشيء في يمينه، نحو: لا أطؤك في هذه الدار أو حتى تسأليني، (أو أطلق) كوالله لا يطؤها، (وإن تعليقاً) كما يكون تنجيزاً، ومثل للتعليق بقوله: (كإن وطئتها فعليّ صوم) أو صوم يوم أو شهر، أو عتق عبد أو عبدي فلان ومثال التصريح بالأكثر: والله لا أطؤك حتى تمضي خمسة أشهر، أو في هذه السنة، ومثال المحتمل للأكثر: لا أطؤك حتى يقدم زيد من سفره (أو) قال: (والله لا أطؤك حتى تسأليني) وطأك هذا مما يدل على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر لزوماً عرفياً إذ شأن النساء لا يسألن الأزواج الوطء لمعرة ذلك عليهن، ومشقته عليهن، وفيه تقييد الترك بسؤالها،

ــ

فصل في الإيلاء وأحكامه

هي لغة الامتناع ثم استعملت فيما كان الامتناع منه بيمين، وشرعاً عرفه المصنف بقوله: "حلف الزوج" إلخ.

قوله: [حلف الزوج]: أي بأي يمين كانت كما يأتي.

قوله: [لا الكافر]: وقال الشافعي ينعقد الإيلاء من الكافر لعموم قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} [البقرة: ٢٢٦] الآية فإن الموصول من صيغ العموم، وجوابه منع بقاء الموصول على عمومه بدليل: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة: ٢٢٦] فإن الكافر ليس من أهل ذلك.

قوله: [والمريض الذي له قدرة] إلخ: أي فإن منعه المرض فلا إيلاء كما في (عب)، وفيه نظر فإن مذهب ابن عبد السلام أنه كالصحيح مطلقاً، لأنه إن لم يمكن وقاعه حالاً يمكن مآلاً كما نقله في التوضيح، ومحل هذا ما لم يقيد بمدة مرضه وإلا فلا إيلاء عليه، سواء كان المرض مانعاً من الوطء أو لا، ولو طال المرض إلا أن يقصد الضرر فيطلق عليه حالاً لأجل قصد الضرر كذا في حاشية الأصل.

قوله: [والسكران]: أي بحرام، وأما بحلال فلا إيلاء عليه لأنه كالمجنون.

قوله: [فلا إيلاء في مرضع]: أي فإذا حلف لا يطأ زوجته ما دامت ترضع، أو حتى تفطم ولدها، أو مدة الرضاع فلا إيلاء عليه عند مالك، وقال أصبغ: يكون مولياً، قال اللخمي: وقول أصبغ أوفق بالقياس، لكن المعتمد قول مالك وهو مقيد بما إذا قصد بالحلف على ترك الوطء إصلاح الولد، أو لم يقصد شيئاً وإلا فمول اتفاقاً.

قوله: [أكثر من أربعة أشهر]: وأما لو حلف على ترك أربعة أشهر فقط، فلا يكون مولياً، وروى عبد الملك أنه مول بذلك وهو مذهب أبي حنيفة ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم قوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة: ٢٢٦] هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها، فعلى المشهور لا يطلب بالفيئة إلا بعد الأربعة الأشهر، ولا يقع عليه الطلاق إلا بعدها، وحيث كانت الفيئة مطلوبة بعد الأربعة أشهر، فلا يكون مولياً، بالحلف بها، وعلى مقابله يطلب بالفيئة فيها، ويطلق عليه بمجرد مرورها، وتمسك من قال بالمشهور بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: {فإن فاءوا} [البقرة: ٢٢٦]، فإنها تستلزم تأخر ما بعدها عما قبلها؛ فتكون الفيئة مطلوبة بعد الأربعة الأشهر، ولأن إن الشرطية يصير الماضي بعدها مستقبلاً، فلو كانت مطلوبة في الأربعة لبقي معنى الماضي بعدها على ما كان عليه قبل دخولها وهو باطل تأمله.

قوله: [أو أكثر من شهرين للعبد]: أي لأنه على النصف من الحر في الحدود وهذا منها.

قوله: [في هذه الدار]: أي فذكره الدار قيد للحلف على عدم الوطء، وقوله "أو حتى تسأليني" سؤالها قيد.

قوله: [وإن تعليقاً]: مبالغة في قوله "حلف الزوج"، ويصح أن يكون مبالغة في زوجته أو في ترك الوطء، لأنه لا فرق في لزوم الإيلاء بين كون اليمين منجزة أو معلقة، ولا بين كون ترك الوطء منجزاً أو معلقاً.

قوله: [أو قال: والله لا أطؤك حتى تسأليني]: حاصله أنه إذا قال لها: والله لا أطؤك حتى تسأليني الوطء، أو حتى تسأليني للوطء، فإنه يكون مولياً ويضرب له أجل الإيلاء من يوم الحلف، فإن فاء في الأجل أو بعده بدون سؤال فالأمر ظاهر وإلا طلقت عليه، ومحل كونه مولياً ما لم يقع منها سؤال للوطء، وإلا فتنحل الإيلاء بمجرد سؤالها إياه، سواء كان سؤالها في الأجل أو بعده، وما مشى عليه المصنف من كون مولياً بحلفه أن لا يطأها حتى تسأله، هو قول ابن سحنون ومقابله قول والده ليس بمول، وعاب قول ولده حين عرضه عليه، وإنما درج المصنف على الأول لأن ابن رشد قال لا وجه لقول سحنون، واستصوب ما قاله ولده نظراً لمشقة سؤال الوطء على النساء كما قال الشارح.

<<  <  ج: ص:  >  >>