فيجوز (إن وقع) البيع (على كيل) في الأربع صور، نحو: بعتك جميع حب هذا كل أردب بكذا أو بعتك من حبه أردباً بكذا؛ كالصبرة الآتي بيانها. ولا يجوز جزافاً إلا أن يبيعه بقته وتبنه فيجوز في غير المنفوش، وهو معنى قوله: (و) بخلاف (قت من نحو قمح) مما يمكن حزره كالذرة ومثله القائم بأرضه فيجوز (جزافاً، لا) إن كان (منفوشاً) فلا يجوز، ومثل الحنطة غيرها من الحبوب.
فالحاصل أن للزرع خمسة أحوال: قائم بالأرض وغير قائم، وغير القائم: إما قت، وإما منفوش، وإما في تبنه في الجرين، وإما خالص بعد التذرية؛ وهو المشار إليه بالصبرة الآتي بيانها. فبيع الحب خاصة جائز في الجميع إن وقع بكيل، وبيعه بقته يجوز جزافاً فيما عدا المنفوش، وكذا بيع الصبرة جزافاً بشروط الجزاف الآتية.
(و) بخلاف (زيت زيتون بوزن) فيجوز، نحو: بعتك زيت هذا الزيتون كل رطل بكذا. (ودقيق حنطة) ونحوها فيجوز، نحو: بعتك دقيق هذه الحنطة كل صاع بكذا. (إن لم يختلف الخروج): أي خروج الزيت أو الدقيق عادة. فإن اختلف بأن كان تارة يخرج له زيت أو دقيق، وتارة لا يخرج، لم يجز البيع للغرر، لكن الخروج وعدمه يكثر في الزيت دون الحبوب فلذا قدم الشيخ هذا الشرط عند الزيت. (ولم يتأخر) عصر الزيت أو طحن الحب (أكثر من نصف شهر) وإلا لزم السلم في معين وهو ممنوع.
(و) بخلاف (صاع) من هذه الصبرة بكذا (أو كل صاع من صبرة) معينة وأريد بيع الجميع؛ لأن الجهل وإن تعلق بجملة الثمن ابتداء لكن يعلم تفصيله بالكيل فاغتفر (أو كل ذراع من شقة، أو كل رطل من زيت): أي فلا فرق بين المكيلات والمقيسات والموزونات فيجوز (إن أريد الكل): أي شراء الجميع مما ذكر (أو عين قدر) منه كصاع أو عشرة آصع بكذا أو ذراع أو عشرة أذرع أو رطل أو عشرة أرطال (وإلا): بأن أريد بعض غير معين (فلا) يجوز وهو معنى قوله: "لا منها وأريد البعض" للجهل بجملة الثمن والمثمن فلم يغتفر.
ــ
أن الوزن يقتضي أن المقصود اللحم وهو مغيب بخلاف الجزاف فإن المقصود الذات بتمامها وهي مرئية. وعبارة الخرشي: إنما جاز بيعها جزافاً؛ لأنها تدخل في ضمان المشتري بالعقد؛ لأن المبيع الذات المرئية بتمامها كشاة حية بخلاف ما إذا وقع البيع للشاة بتمامها قبل السلخ على الوزن فالمقصود حينئذ ما شأنه الوزن وهو اللحم فيرجع لبيع اللحم المغيب المجهول الصفة اهـ.
قوله: [فيجوز إن وقع البيع على كيل]: أي ويشترط أن لا يتأخر تمام حصده ودراسه أكثر من خمسة عشر يوماً وإلا منع لما فيه من السلم في معين. هذا إذا كان التأخير مدخولاً عليه بالشرط أو العادة وإلا فلا يضر التأخير، كما يؤخذ من الموطأ وشراح خليل في باب السلم. وما قيل هنا يقال في زيت الزيتون ودقيق الحنطة. قوله: [نحو بعتك جميع حب هذا]: أي ويقال له جزاف على الكيل.
قوله: [كالذرة]: أي الذي ثمرته في رأسه كالعويجة والأصفر بخلاف الذرة المسمى بالشامي فإنه لا يباع جزافاً وهكذا كل ما ثمرته ساقه لا في رأسه.
قوله: [جائز في الجميع إن وقع بكيل]: أي بشرطه المتقدم.
قوله: [يجوز جزافاً فيما عدا المنفوش]: هذا مجمل. وحاصله: أن القت والقائم يجوز فيهما الجزاف بشروطه. والمنفوش وما في تبنه إن رآهما المشتري في أرضهما قبل الحصد جاز فيهما الجزاف أيضاً بشروطه وإن لم يرهما لم يجز. فلا فرق بين المنفوش وما في تبنه.
قوله: [فإن اختلف بأن كان تارة] إلخ: مثله الاختلاف في القلة والكثرة والصفاء والجودة. ومحل منعه عند اختلاف الخروج ما لم يشتر على الخيار وإلا جاز ولو اختلف الخروج.
قوله: [وإلا لزم السلم في معين]: أي؛ لأن أقل أجل السلم نصف شهر، فلو تأخر حصل أجر السلم. وشرط صحة السلم المؤجل بهذا الأجل أن يكون المسلم فيه في الذمة لا في معين.
قوله: [وأريد بيع الجميع]: راجع للثانية. وحاصله: أن المشتري إذا قال للبائع: أشتري منك صاعاً من هذه الصبرة، أو أشتري منك كل صاع من هذه الصبرة بكذا، وأراد في الصورة الثانية شراء جميعها كان البيع جائزاً سواء كانت الصبرة معلومة الصيعان أم لا؛ لأنها إن كانت معلومة الصيعان كانت معلومة الجملة والتفصيل. وإن كانت مجهولته كانت مجهولة الجملة معلومة التفصيل. وجهل الجملة فقط لا يضر كما علم.
قوله: [بأن أريد بعض غير معين فلا يجوز]: الحاصل أنه إذا أتى ب " من " كقوله: أشتري من هذه الصبرة كل إردب بدينار، أو أشتري من هذه الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري من هذه الشمعة كل رطل بكذا، فإن أريد بها التبعيض منع، وإن أريد بها بيان الجنس - والقصد أن يقول: أبيعك هذه الصبرة كل إردب بكذا، فلا يمنع. وأما إن لم يرد بها واحد منهما فطريقتان؛ المنع لتبادر التبعيض منها، وهو ما يفيده كلام ابن عرفة، والجواز لاحتمال زيادتها. وهذه الطريقة متبادرة من المصنف؛ لأنه قيد المنع بإرادة البعض. وأقوى الطريقتين الأولى كما يفيده كلام (بن) نقلاً عن الفاكهاني، فانظره، ومثل الإتيان ب "من" وإرادة البعض في المنع، كما إذا قال أشتري منك ما يحتاج له الميت من هذه