للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(و) بخلاف بيع (جزاف) مثلث الجيم -فارسي معرب- وهو: بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملة بلا كيل ولا وزن ولا عد، والأصل فيه المنع للجهل، لكن أجازه الشارع للضرورة والمشقة فيجوز بشروط سبعة:

أشار للأول بقوله: (إن رئي) حال العقد أو قبله واستمر على حاله لوقت العقد. ولا يجوز بيعه على الصفة، ولا على رؤية متقدمة يمكن فيها التغيير. وهذا ما لم يلزم على الرؤية فساد المبيع؛ كقلال الخل مطينة يفسدها فتحها، وإلا جاز. ويكفي حضورها مجلس العقد. وللثاني بقوله: (ولم يكثر جداً) أي يكون كثيراً لا جداً، فإن كان كثيراً جداً بحيث يتعذر حزره، أو قل جداً بحيث يسهل عده، لم يجز جزافاً. بخلاف ما قل جداً من مكيل أو موزون فيجوز. (وجهلاه) معاً: أي جهلا قدر كيله أو وزنه أو عدده (وحزراه) أي خمنا قدره عند إرادة العقد عليه.

(واستوت أرضه) في اعتقادهما، وإلا فسد العقد. ثم إن ظهر الاستواء فظاهر وإلا فالخيار لمن لزمه الضرر. (وشق عده): أي كان في عده مشقة إن كان معدوداً كالبيض، وأما ما شأنه الكيل - كالحب - أو الوزن - كالزيتون - فلا يشترط فيه للمشقة [١]. (ولم تقصد أفراده) أي آحاده بالبيع فإن قصدت كالثياب والعبيد لم يجز بيعه جزافاً. (إلا أن يقل ثمنها) عادة: (كرمان) وتفاح وبيض فيجوز.

فعلم أن الشروط الخمسة: الأول عامة، وأن الشرطين الآخرين خاصان بالمعدود.

ــ

الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري منك ما يكفيني قميصاً من هذه الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري منك ما توقده النار من هذه الشمعة في الزفاف كل رطل بكذا.

تنبيه: يجوز للشخص أن يبيع نحو الشاة ويستثني قدراً من الأرطال أقل من ثلثها إن بيعت قبل الذبح أو السلخ. فإن بيعت بعدهما جاز له استثناء ما شاء وكذا له استثناء جزء شائع مطلقاً، قل أو كثر قبل السلخ أو بعده. ولا يجوز لمستثني الأرطال أخذ شيء بدلها. ويجوز بيع الصبرة أو الثمرة جزافاً ويستثنى قدر الثلث فأقل إن كان المستثنى كيلاً وفي الجزء الشائع يستثني ما شاء.

قوله: [وبخلاف بيع جزاف]: عرفه ابن عرفة بقوله: وهو بيع ما يمكن علم قدره دون أن يعلم اهـ.

قوله: [أو قبله واستمر على حاله] إلخ: هذا مبني على ما اختاره ابن رشد من أنه لا يشترط في الجزاف الحضور سواء كان زرعاً قائماً أو صبرة طعام أو غيرهما وإنما يشترط فيه الرؤية بالبصر سواء كانت مقارنة للعقد أو سابقة عليه. وهذا بخلاف رواية ابن القاسم عن مالك من اشتراط حضور بيع الجزاف حين العقد إلا الزرع القائم والثمار في رؤوس الأشجار فيغتفر فيهما عدم الحضور إن تقدمت الرؤية واختار (ح) هذه الطريقة.

قوله: [ولم يكثر جداً] إلخ: حاصله أن ما كثر جداً يمنع بيعه جزافاً سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو معدودا لتعذر حزره. وما كثر لا جداً يجوز بيعه جزافاً مكيلاً كان أو معدوداً أو موزوناً لإمكان حزره. وأما ما قل جداً فيمنع بيعه جزافاً إن كان معدوداً؛ لأنه لا مشقة له في علمه بالعد، ويجوز إن كان مكيلاً أو موزوناً ولو كان لا مشقة في كيله أو وزنه. قوله: [وجهلاه]: أي من الجهة التي وقع العقد عليها، بكبيعه عدداً وهما يجهلان عدده ويعرفان وزنه؛ لأن المبيع إذا كان له جهتان - كوزن وعدد - وجهل من الجهة التي وقع العقد عليها وجد شرطه.

قوله: [وحزراه]: أي ولا بد أن يكون كل منهما من أهل الحزر بأن اعتاداه، وإلا فلا يصح. فلو وكلا من يحزره وكان من أهل الحزر كفى، كانا من أهل الحزر أم لا. فالشرط حزر البيع بالفعل من أهل الحزر كان الحزر منهما أو ممن وكلاه.

قوله: [في اعتقادهما]: مراده بالاعتقاد ما يشمل الظن. قوله: [فلا يشترط فيه المشقة]: والفرق أن المكيل والموزون مظنة المشقة لاحتياجهما لآلة وتحرير وذلك لا يتأتى لكل الناس بخلاف العد. لتيسره لغالب الناس.

قوله: [ولم تقصد أفراده]: أي بأن كان التفاوت بينهما كثيراً فإن قل التفاوت جاز، وهو معنى قوله: إلا أن يقل ثمنها؛ فهو مستثنى من مفهوم ما قبله. فإن قصدت أفراده فلا يجوز بيعه جزافاً ولا بد من عده إلا أن يقل ثمن تلك الأفراد فإنه يجوز بيعه جزافاً ولا يضر قصد الأفراد. فعلم من المصنف أن ما يباع جزافاً إما أن يعد بمشقة أو لا، وفي كل: إما أن تقصد أفراده أو لا، وفي كل: إما أن يقل ثمنها أو لا. فمتى عد بلا مشقة لم يجر جزافاً قصدت أفراده أو لا، قل ثمنها أو لا. ومتى عد بمشقة. فإن لم تقصد أفراده جاز بيعه جزافاً قل ثمنها أو لا. وإذا قصدت جاز إن قل ثمنها بالنسبة لبعضها مع بعض ومنع إن لم يقل. فالمنع في خمسة أحوال والجواز في ثلاثة.

قوله: [كرمان]: ومثله البطيخ وإن اختلفت آحاده كما في العتبية والموازية.

تنبيه: بقي من شروط الجزاف: أن لا يشتريه مع مكيل على ما سيأتي. وأما عدم الدخول عليه، فقيل: إنه شرط لا بد منه. وعليه فلا يجوز أن تدفع درهماً لعطار ليعطيك به شيئاً من الأبزار من غير وزن، ولا لفوال ليدفع لك به فولاً حاراً أو مدمساً، ولا أن تأتي لجزار وتتفق معه على أن يكوم لك لحماً وتشتريه جزافاً. فلا بد في الجواز في جميع ما تقدم أن يكون مجزفاً عنده قبل طلبك. وقيل


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (المشقة).

<<  <  ج: ص:  >  >>