للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفهوم قوله: "من العين" أنه لو كان الثمن عرضاً أو طعاماً ففيه تفصيل أشار إليه بقوله:

(كغير العين إن حل الأجل) يجوز قضاؤه (بأزيد صفة وقدراً) لا إن لم يحل؛ لما فيه من "حط الضمان وأزيدك".

(و) جاز (بأقل) صفة وقدراً (في العرض) إن حل الأجل أبرأه من الزائد أم لا؛ إذ المفاضلة في العرض لا تمنع؛ (كالطعام) يجوز فيه بعد الأجل القضاء بأقل (إن) جعل الأقل في مقابلة قدره و (أبرأه من الزائد) لا إن جعل الأجل في مقابلة الكل لما فيه من المفاضلة في الطعام. لا قبل الأجل لما فيه من "ضع وتعجل" عرضاً أو طعاماً. وهذا التفصيل كله قد تركه الشيخ.

(ودار الفضل) من الجانبين في قضاء القرض وثمن المبيع (بسكة) من جانب (أو صياغة مع جودة) من الجانب الآخر، أي كل من السكة أو الصياغة يقابل الجودة فيدور بها الفضل؛ فلا يجوز قضاء مثقال من تبر جيد عن مثله مسكوكاً أو مصوغاً غير جيد ولا العكس. وأما قضاء المسكوك عن المصوغ وعكسه فمذهب ابن القاسم الجواز.

(وإن بطلت معاملة) من دنانير أو دراهم أو فلوس ترتبت لشخص على غيره من قرض أو بيع أو تغير التعامل بها بزيادة أو نقص (فالمثل): أي فالواجب قضاء المثل على من ترتبت في ذمته إن كانت موجودة في بلد المعاملة.

(وإن عدمت) في بلد المعاملة - وإن وجدت في غيرها - (فالقيمة يوم الحكم): أي تعتبر يوم الحكم بأن يدفع له قيمتها عرضاً أو يقوم العرض بعين من المتجددة.

(وتصدق بما يغش به الناس) أدباً للغاش فجاز للحاكم - كالمكتسب - أن يتصدق به على الفقراء؛ ولا يحرم عليه. وجاز أن يؤدبه بضرب ونحوه ولا يجوز أدبه بأخذ مال منه كما يقع كثيراً من الظلمة. وللحاكم أن يخرجه من السوق.

والغش يكون في كل شيء حتى في الحيوان وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا». (كخلط) شيء (جيد) كلبن وسمن وزيت ودقيق (برديء) من جنسه أو غير جنسه (من طعام أو غيره) كثياب وقطن وكتان (و) نحو (بل ثياب بنشا، ونفخ لحم بعد السلخ) لا قبله لأنه يوهم أنه سمين. ومحل التصدق به (إن كان قائماً) بيد البائع أو المشتري ويفسخ البيع. (وإلا) يكن قائماً - بأن ذهبت عينه أو تغير - (فبالثمن) الذي بيع به.

ــ

حل الأجل أم لا؛ لأن الأجل في العين من حق من هي عليه فلا تهمة فيه.

قوله: [أنه لو كان الثمن عرضاً أو طعاماً]: حاصل الصور التي تتعلق بهما أنه متى قضاه بمساو صفة وقدراً جاز، حل الأجل أم لا، أو بأزيد صفة أو قدراً جاز، إن حل الأجل. وفي كل عرضاً أو طعاماً، وبأقل صفة أو قدراً في العرض إن حل الأجل ولا يشترط إبراؤه من الزائد، وبأقل صفة وقدراً في الطعام إن حل الأجل بشرط إبرائه من الزائد في أقلية القدر، فهذه ثنتا عشرة جائزة. والممنوع ثمانية وهي: ما إذا قضاه بأزيد صفة أو قدراً، أو بأقل صفة أو قدراً. أو لم يحل الأجل. وفي كل عرضاً أو طعاماً. وهي مفهوم قوله: "إن حل الأجل في الزيادة" أو في الأقلية ويضم لها دوران الفضل.

قوله: [بأزيد صفة وقدراً]: الواو بمعنى أو وهي مانعة خلو كما تقدم. ومثلها يقال في قوله الآتي "وجاز بأقل صفة وقدراً".

قوله: [لما فيه من حط الضمان وأزيدك]: اعلم أن هذه العلة إنما تدخل في ثمن المبيع إن كان عرضاً أو طعاماً؛ لأن الحق في الأجل لرب الدين وللمدين ولا تأتي في القرض مطلقاً ولا في ثمن المبيع إن كان عيناً؛ لأن الحق لمن عليه الدين إن شاء عجل أو أبقاه للأجل. وأما "ضع وتعجل" فتجري في قضاء القرض وثمن المبيع سواء كان القرض أو الثمن عيناً أو طعاماً أو عرضاً.

قوله: [من قرض أو بيع]: ومثل ذلك ما لو كانت وديعة وتصرف فيها أو دفعها لمن يعمل فيها قراضاً.

قوله: [أي فالواجب قضاء المثل]: أي ولو كان مائة بدرهم ثم صارت ألفاً بدرهم أو بالعكس، وكذا لو كان الريال حين العقد بتسعين ثم صار بمائة وسبعين وبالعكس، وكذا إذا كان المحبوب بمائة وعشرين ثم صار بمائتين أو العكس، وهكذا. قوله: [فالقيمة يوم الحكم]: وهو متأخر عن يوم انعدامها وعن يوم الاستحقاق والظاهر أن طلبها بمنزلة التحاكم وحينئذ فتعتبر القيمة يوم طلبها. وظاهره ولو حصلت مماطلة من المدين حتى عدمت تلك الفلوس، وبه قال بعضهم. وقال بعضهم: هذا مقيد بما إذا لم يكن من المدين مطل وإلا كان لربها الأحظ من أخذ القيمة أو مما آل إليه الأمر من السكة الجديدة الزائدة على القديمة وهذا هو الأظهر لظلم المدين بمطله: قال الأجهوري. كمن عليه طعام امتنع ربه من أخذه حتى غلا فليس لربه إلا قيمته يوم امتناعه وتبين ظلمه.

قوله: [فجاز للحاكم]: أي فالتصدق جائز لا واجب خلافاً لمن يقول بذلك. وما ذكره من التصدق هو المشهور. وقيل: يراق اللبن ونحوه من المائعات وتحرق الثياب الرديئة أو تقطع خرقاً وتعطى للمساكين.

قوله: [ولا يجوز أدبه بأخذ مال منه]: قال الوانشريسي: أما العقوبة بالمال فقد نص العلماء على أنها لا تجوز. وفتوى البرزلي بتحليلها لم تزل الشيوخ يعدونها من الخطأ كذا في (بن).

قوله: [من غشنا فليس منا]: إن حمل على غش الإيمان كفعل المنافقين فالحديث على ظاهره، وإن كان المراد الغش في المعاملة مع اعتقاد حرمته فالمعنى: ليس مهتدياً بهدينا وليس من الكاملين في الإيمان. ولكن يترك اللفظ على ظاهره تخويفاً وتقريعاً. قوله: [فبالثمن الذي بيع به]: وقيل بالزائد على فرض بيعه ممن لا يغش به وقيل يملكه وقد تقدمت تلك الأقوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>