للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أنهى الكلام على ما يرد به المبيع وما لا يرد به، شرع في بيان ما ينتقل به ضمانه للمشتري وما لا ينتقل فقال: (وانتقل الضمان) أي ضمان المبيع من بائعه (إلى المشتري بالعقد الصحيح اللازم) ولو لم يقبضه من البائع، فمتى هلك أو حصل فيه عيب بعد العقد فضمانه من مشتريه وسواء كان عرضاً أو غيره واحترز "بالصحيح" من الفاسد وسيأتي، و"باللازم" من غيره؛ كبيع المحجور وبيع الخيار وتقدم في الخيار أن ضمان المبيع بالخيار من البائع. ثم استثنى من انتقال الضمان للمشتري بالعقد الصحيح مسائل بقوله: (إلا فيما) أي مبيع (فيه حق توفية) لمشتريه وهو المثلي وبينه بقوله: (من مكيل أو موزون أو معدود، فعلى البائع) ضمانه (لقبضه) بالكيل أو الوزن أو العد واستيلاء المشتري عليه.

(ويستمر) ضمان البائع له (بمعياره) من مكيال أو ميزان حتى يفرغ في أواني المشتري، فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فضمانه على البائع. قال ابن رشد: اتفاقاً (ولو تولاه) أي تولى كيله أو وزنه أو عده (المشتري) نيابة عن البائع فلو سقط من الميزان أو من المكيال أو غصب، لكان ضمانه من البائع، بخلاف ما لو كاله البائع أو نائبه وناوله للمشتري فسقط من المشتري، أو هلك فمن المشتري. لأن قبضه قد تم باستيلاء مشتريه عليه وليس نائباً عن البائع في هذه الحالة.

واعلم أن الصور هنا أربع: الأولى: أن يتولى البائع أو نائبه الوزن أو الكيل ثم يأخذ الموزون أو المكيل ليفرغه في ظرف المشتري فيسقط من يده أو يتلف فضمانه من البائع. الثانية: مثلها ولكن الذي تولى تفريغه في الظرف هو المشتري فضمانه من المشتري لأنه حين أخذه من الميزان أو المكيال ليفرغه في ظرفه فقد تولى قبضه فضمانه منه قال ابن رشد: باتفاق فيهما، ونازعه ابن عرفة في الأولى بوجود الخلاف فيها. الثالثة: أن يتولى المشتري الوزن أو الكيل والتفريغ فيسقط من يده، فقال مالك وابن القاسم: مصيبته من البائع؛ لأن المشتري وكيل عن البائع ولم يقبض لنفسه حتى يصل لظرفه. وقال سحنون: من المشتري. الرابعة: ألا يحضر ظرف المشتري وإنما يحمل ذلك في ظرف البائع بعد وزنه أو كيله ليفرغه في ظرفه ببيته مثلاً فيسقط منه أو يتلف، فضمانه من المشتري؛ لأن قبضه بعد الفراغ من وزنه قبض لنفسه في ظرف البائع، ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره، وليس فيه بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه قد وجد القبض منه. هذا تحرير الفقه قاله بعض المحققين.

(والأجرة): أي أجرة الكيل أو الوزن أو العد (عليه) أي على البائع إذ لا تحصل التوفية إلا به

ــ

ما تستبرأ به فإنها لا ترد على البائع بشيء مما يوجب الرد في السنة. وعهدة الثلاث تكون بعد مضي أيام الخيار لأنها إنما تكون بعد انبرام العقد وتدخل مع المواضعة، وأما الاستبراء المجرد فإن حصل في عهدة الثلاث اعتبر، وإن تأخر عنها فإنها لا تبقى في ضمان البائع إلى وجوده بل بانقضاء العهدة تدخل في ضمان المشتري، وأما الخيار فيدخل فيه المواضعة، وأما الاستبراء المجرد مع الخيار فكالاستبراء مع العهدة، وأما المواضعة والاستبراء المجرد فلا يتصور اجتماعهما، فعلم من هذا أن المواضعة تدخل مع عهدة الثلاث ومع الخيار وأن الاستبراء المجرد يدخل في كل واحد مما عداه غير المواضعة وينتظر مجيئه بعد انقضاء ما عداه.

قوله: [على ما يرد به المبيع]: أي لما فرغ من موجبات الضمان بالخيار الشرطي والحكمين [١] والغلط والغبن على أحد القولين فيهما والعهدة.

قوله: [وتقدم في الخيار أن ضمان المبيع بالخيار من البائع]: أي ما دام يخير المشتري ولم تنقض مدة الخيار وهو بيده.

قوله: [فإذا هلك في يد البائع عند تفريغه]: وأما إن كان التفريغ من المشتري فالضمان منه وحينئذ فالمراد بقبض المشتري له ما يشمل تسلمه له وتفريغه في أوعيته لا خصوص التفريغ في أوعيته المقتضي أنه إذا تلف في حال التفريغ يكون الضمان من البائع مطلقاً. قوله: [ونازعه ابن عرفة في الأولى] إلخ: أي قال كونه باتفاق خلاف محصل قول المازري إنه من بائعه أو مبتاعه.

قوله: [وقال سحنون من المشتري]: أي لأنه قابض لنفسه ولم يجر هذا الخلاف في الثانية لأن البائع لما تولى بنفسه الوزن دل على أن قبض المشتري منه قبض لنفسه.

قوله: [ألا يحضر ظرف المشتري]: أي ويريد المشتري حمل الموزون أو المكيل مثلاً أو المعدود في ظرف البائع ميزاناً أو جلوداً أو أزياراً.

وقوله: [فضمانه من المشتري]: أي بمجرد الفراغ من الوزن أو الكيل أو العد ولو كان الحامل لها لبيت المشتري البائع بطريق الوكالة ولو سمناً في فوارغة قبل وزنها فالفارغة على ربها كما يؤخذ من الـ (مج).

وقوله: [ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره]: أي لأنه قد وجد منه القبض حقيقة. قوله: [قاله بعض المحققين]: المراد به (بن).

قوله: [والأجرة عليه]: وانظر لو تولى المشتري الكيل أو الوزن أو العد بنفسه هل له طلب البائع بأجرة ذلك أم لا، والظاهر كما قاله في الحاشية: أن له الأجرة إذا كان شأنه ذلك أو سأله الآخر، وكما أن أجرة ما ذكر


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب: (والحكمي).

<<  <  ج: ص:  >  >>