للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا باعه من أجنبي لمن اشتراه له فكأنه قبضه وباعه له بعد قبضه فجاز بخلاف من عنده طعام وديعة لشخص أو اشتراه له بإذنه ثم اشتراه من مالكه قبل أن يقبضه المالك فلا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء؛ لأن ذلك القبض السابق على الشراء لم يكن قبضاً تاماً، بدليل أن رب الطعام لو أراد إزالته من يده ومنعه من التصرف كان له ذلك -ذكره في التوضيح عن ابن عبد السلام. وكذا من عليه طعام من سلم لا يجوز له أن يدفع عيناً أو عرضاً لرب الطعام يقول له: اشتر طعاماً وكله ثم اقبض منه ما لك علي من الطعام. قال في المدونة: لأنه بيع طعام قبل قبضه، أي: لأنه قبض من نفسه لنفسه حقه قبل أن يقبضه دافع الثمن. وهاتان المسألتان قد فسر بهما قول الشيخ تبعاً لابن الحاجب ولم يقبض من نفسه، أي لا يكفي في جواز بيع الطعام قبل قبضه أن يقبض من نفسه لأنه قبض ضعيف كالعدم ولا بد من قبضه حقيقة من مالكه حتى يجوز بيعه، واستثنوا من ذلك الولي بالنسبة لمحجوريه فأكثر إذا اشترى لأحدهما من الآخر طعاماً فيجوز له أن يبيعه قبل قبضه له لأجنبي كما تقدم.

(وجاز) لمن اشترى طعاماً (إقراضه) قبل قبضه لشخص (أو وفاؤه عن قرض) عليه لأن الإقراض، والوفاء عن قرض ليسا ببيع فليس فيه توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض بخلاف وفائه عن دين أصله بيع فلا يجوز لوجود علة المنع.

(و) جاز (لمقترض بيعه) قبل قبضه ممن اقترضه منه، وسواء باعه لمن تسلفه منه أو لأجنبي، وهذا محترز: "طعام معاوضة". وكذا قوله: (كصدقة) أو هبة يجوز بيعها قبل قبضها من الواهب أو المتصدق (ولو) كانت الصدقة (مرتبة من بيت المال) أو من وقف لا في نظير عمل. ومحل الجواز إذا لم يكن المتصدق أو الواهب اشتراه وتصدق به أو وهبه قبل قبضه وإلا فلا يبيعه حتى يقبضه.

(و) جاز (إقالة من جميعه) أي جميع طعام المعاوضة قبل قبضه من بائعه بأن يرده لبائعه؛ لأنها هنا حل بيع لا بيع قال ابن عرفة: الإقالة ترك المبيع لبائعه بثمنه. اهـ. فإن وقعت بأكثر من الثمن أو أقل لم يجز لأنها حينئذ بيع كما يأتي. ومفهوم جميعه فيه تفصيل أشار له بقوله: (وكذا) تجوز الإقالة قبل قبض الطعام (من بعضه) دون البعض الآخر إذا كان الثمن الذي وقع به البيع حاضراً لم يغب عليه البائع، وأولى إذا لم يقبضه أو غاب عليه، وهو مما يعرف بعينه كالعروض والحيوان. وإلا لم يجز؛ لأنه يعد بيعاً مستقلاً فيلزم بيع الطعام قبل قبضه وإليه أشار بقوله: (إلا إذا كان الثمن لا يعرف بعينه وغاب عليه البائع).

وأشار لشرط جواز الإقالة من الطعام قبل القبض بقوله: (إن وقعت) الإقالة فيه (بالثمن) عينه سواء كان الثمن مثلياً أو عرضاً أو حيواناً ناطقاً أو غيره لا بأقل منه ولا بأكثر ولا بغيره،

ــ

قوله: [فإذا باعه من أجنبي]: من بمعنى اللام وقوله لمن اشتراه له اللام بمعنى على أي باعه على المحجور الثاني بعد أن اشتراه له من المحجور الآخر من غير أن يتخلل البيعتين قبض.

قوله: [فكأنه قبضه]: أي لمحجوره الثاني وقوله وباعه له أي عليه. قوله: [فلا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء]: أي لأن شرط جواز بيع طعام المعاوضة ألا يقبض من نفسه لنفسه. قوله: [لأنه قبض من نفسه لنفسه حقه] إلخ هذا التعليل عائد على ما تقدم من قوله بخلاف من عنده طعام وديعة إلى هنا بدليل قوله: " وهاتان المسألتان " إلخ. قوله: [واستثنوا من ذلك]: أي من قولهم إن القبض من النفس ضعيف لا يعتبر.

قوله: [لوجود علة المنع]: أي وهي توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض. قوله: [ومحل الجواز]: إلخ: ولذلك قال (بن): ويقيد الجواز بما إذا لم يكن المتصدق اشتراه وتصدق به قبل أن يقبضه، وإلا فالمتصدق عليه لا يبيعه حتى يقبضه، وكذا يقال في طعام الهبة والقرض، قال في الجلاب: من ابتاع طعاماً بكيل ثم أقرضه رجلاً أو وهبه له أو قضاه لرجل عن قرض كان له عليه فلا يبيعه أحد ممن صار إليه ذلك الطعام حتى يقبضه.

تنبيه: يجوز للسيد بيع الطعام الذي على المكاتب من المكاتب قبل قبضه منه بعين أو عرض لأنه يغتفر بين السيد وعبده ما لا يغتفر بين غيرهما وهل محل الجواز إن عجل العتق للمكاتب بأن يبيعه جميع ما عليه من النجوم أو بعضها ويعجل العتق على بقاء الباقي في ذمته أو الجواز مطلقاً، لأن الكتابة ليست ديناً ثابتاً في الذمة ولا يحاصص بها السيد الغرماء في موت ولا فلس ويجوز بيعها للمكاتب بدين مؤجل لا لأجنبي قولان.

قوله: [أي جميع طعام المعاوضة]: الأولى أن يقول أي جميع المبيع من طعام المعاوضة ويدل لذلك ما سيذكره في المفهوم بعد. والحاصل: أن من اشترى من شخص طعاماً يجوز له أن يوقع الإقالة في جميعه قبل قبضه سواء كان الثمن عيناً أو عرضاً غاب عليه البائع أم لا.

قوله: [لا بيع]: أي مؤتنف وإلا لمنعت لما فيها من بيع الطعام قبل قبضه. قوله: [إلا إذا كان الثمن لا يعرف بعينه]: أي كان عيناً أو طعاماً وإنما منعت الإقالة مع غيبته عليه لأن فيه بيعاً وسلفاً فالبيع ما كان الثمن في مقابلة البعض الذي لم تقع الإقالة فيه والسلف ما كان في مقابلة البعض الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>