وكذا يمتنع التطوع بالمنفعة في القرض والبيع مطلقاً عينت أم لا فعلم أنها في القرض تمتنع في الصور الأربع وهي: الشرط، والتطوع عينت أم لا. وفي البيع في الثلاث وتجوز في الرابعة: وهي ما إذا وقعت بشرط في العقد وعينت. ومما عمت به البلوى في مصر جميعها - حتى لم يقدر أحد من أهل العلم على رفعه - أن يبذل الرجل لآخر دراهم ثم يأخذ منه أرض زراعة أو حائطاً رهناً على أن يزرع الأرض أو يأخذ ثمر الحائط ما دامت الدراهم في ذمة آخذها، ثم زادوا في الضلال إلى أنه إذا رد أخذ الدراهم ما في ذمته ليأخذ أرضه أو حائطه توقف معطيها في القبول، فتارة يشتكيه إلى أمرائها لينصروا الباطل وتارة يصالحوه على دفع شيء له ليستمر على ذلك السنة أو السنتين أو الأكثر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(و) جاز شرط المنفعة المعينة بزمن أو عمل (على أن تحسب من الدين مطلقاً): أي في بيع أو قرض، وكذا إذا وقعت بعد العقد؛ لأنه من البيع والإجارة وليس فيه هدية مديان، بخلاف التطوع بها بعد العقد. نعم في القرض فيه سلف وإجارة.
(ولا يقبل منه): أي من المرتهن (بعد) حصول (المانع) للراهن؛ كموت أو فلس مع حوزه للرهن: أنه (حاز) الرهن (قبله): أي قبل المانع ونازعه الغرماء، وقالوا: إنما حزته بعده فلا تفيده دعواه (ولو شهد له الأمين) الحائز له.
ــ
ومحصله: أن تلك المنفعة لم تضع على الراهن بل وقعت جزءاً من ثمن السلعة التي اشتراها.
قوله: [وكذا يمتنع التطوع] إلخ: أي لأنها هدية مديان، فلذلك منعت في البيع والقرض وهو بيان لمفهوم الموضوع.
قوله: [فعلم أنها] إلخ: حاصله أن منفعة الرهن إما أن تكون مدتها معينة أو غير معينة وفي كل: إما أن يشترطها المرتهن أو يتطوع بها الراهن عليه، وفي كل: إما أن يكون الرهن في عقد بيع أو قرض، فأخذ المرتهن لها في رهن القرض ممنوع في صوره الأربع، وهي معينة أم لا مشترطة أو متطوع بها، وفي رهن البيع في ثلاث إذا كان متطوعاً بها معينة أم لا أو مشترطة ولم تعين، والجواز في واحدة وهي ما إذا اشترطت وكانت معينة.
قوله: [حتى لم يقدر أحد]: المناسب حتى لا يقدر.
قوله: [على أن يزرع الأرض] إلخ: مسألة رهن الأرض والحائط هي المسماة بين الناس بالغاروقة، وهي ممنوعة مطلقاً ولو شرط المنفعة في مدة معينة لأنها في قرض لا بيع، ولا ينفعه أن يقول: وهبتك المنفعة ما دامت دراهمك علي، لأنها حيلة باطلة عندنا. وهي من الربا فيجب على واضع اليد على الطين في نظير دراهمه الإقلاع عنه وتركه لصاحبه والاستمرار عليه محرم. ولكن إذا وقع وزرع الأرض يكون الزرع له وعليه أجرة مثل الأرض لصاحبها فيقاصصه بها من أصل الدين الذي عليه، فإن كان يدفع الخراج للملتزم وكان قدر أجرة الأرض لا يلزمه أجرة لربها كما قرره الأشياخ.
قوله: [إلى أنه إذا رد] إلخ: أي أراد الرد.
قوله: [المعينة بزمن أو عمل] إلخ: مفهومه أن غير المعينة لا يجوز وعلة المنع في صور القرض اجتماع السلف والإجارة وفي صور البيع اجتماع البيع والإجارة المجهولة الأجل.
قوله: [على أن تحسب من الدين مطلقاً] إلخ: هذا الإطلاق فاسد كما يستفاد من حاشية الأصل، لأن الجواز مخصوص بما إذا اشترطت ببيع وعينت وكانت تفي بالدين أو يشترط تعجيل ما بقي، وأما إن كان الباقي يدفع له فيه شيئاً مؤجلاً فممنوع لفسخ ما في الذمة في مؤخر وإن كان يترك للراهن جاز، إلا إذا كان اشتراط الترك في صلب العقد فلا يجوز، للغرر إذ لا يعلم ما يبقى، وأما الصور السبع فالمنع فيها مطلقاً أخذت مجاناً كما تقدم أو لتحسب من الدين كما هنا.
قوله: [وكذا إذا وقعت بعد العقد] إلخ: فيه نظر فإنهم ذكروا أنها تجري على مبايعة المديان فإن كان فيها مسامحة حرم وإلا فقولان بالحرمة والكراهة.
قوله: [بخلاف التطوع بها بعد العقد]: معناه التبرع بها من غير أن تحسب من الدين فلا يناقض ما قبله.
قوله: [نعم في القرض] إلخ: استدراك على الجواز الذي أفاده الإطلاق لما علمت من أنه خلاف الصواب، والمناسب حذف قوله: "فيه" لما فيه من الركة. ثم هذا كله في أخذ المرتهن المنفعة التي هي ليست من جنس الدين، وأما لو شرط المرتهن أخذ الغلة التي هي من جنس الدين من دينه، فإن لم يؤجل لذلك أجلاً جاز في القرض ومنع في البيع لأن القرض يجوز فيه الجهل بالأجل دون البيع، وإن أجل ذلك بأجل معلوم، فإن دخلا على أنه إن بقي شيء من الدين بعد الأجل يوفيه الراهن من عنده أو من ثمن الرهن جاز ذلك في البيع والقرض، وإن دخلا على أن الفاضل من الدين يعطيه به شيئاً مؤجلاً منع ذلك في البيع والقرض، وإن دخلا على أن الفاضل من الدين يترك للمدين جاز في القرض دون البيع كذا في حاشية الأصل.