وهذا داخل فيما تضمنه قوله: " بيع " إلخ وقد علمت مما ذكرنا أن موانع الصلح سبعة، جمعتها في قولي:
موانع الصلح جهل حط ضع ونسا ... تأخير صرف وتسليف بمنفعة
بيع الطعام بلا قبض فجملتها ... سبع عليك بها تحظى بمعرفة
(ولا يحل) الصلح (للظالم) في الواقع. وقولنا: " الصلح جائز " إنما هو بالنسبة لظاهر الحال فالمنكر إن كان صادقاً في إنكاره، فما أخذ منه حرام، وإلا فحلال، وفرع على قوله: " ولا يحل للظالم " قوله: (فلو أقر) الظالم منهما (بعده): أي بعد الصلح فللمظلوم نقضه لأنه كالمغلوب عليه (أو شهدت له): أي للمظلوم منهما (بينة لم يعلمها) حال الصلح - وإن كانت حاضرة بالبلد - فله نقضه، إن حلف أنه لم يعلم بها، وإلا فلا وأولى إن أقر أو شهد عليه بعلمه بها (أو) يعلمها ولكن (بعدت جداً) - لا إن كانت قريبة أو بعيدة لا جداً - كعشرة أيام في الأمن (وأشهد) عند الصلح (أنه) إذا حضرت بينته البعيدة (يقوم بها)، فله القيام بها إذا حضرت إذا أعلن ذلك عند الحاكم بل (ولو لم يعلن، أو) صالح و (وجد وثيقة بعده): أي بعد الصلح فيها قدر الدين الذي أنكره المدعى عليه (أو) كان المدعى عليه (يقر) بالحق الذي عليه (سراً فقط) وينكر بين الناس في الظاهر (فأشهد) بينة (على ذلك): أي على أنه يقر سراً وينكر علانية، فلعله إذا صالحته يقر بعده في العلانية: فاشهدوا لي على أني لا أرضى أن أقر بذلك الصلح (ثم صالح) فأقر علانية (فله نقضه) راجع للجميع كما تقدمت الإشارة إليه. وتسمى هذه البينة بينة الاسترعاء، ولا بد من تقديمها على الصلح وإقرار المنكر بعده كما أشرنا له في التقرير.
ثم ذكر مسألتين لا ينقض الصلح فيهما بقوله: (لا) ينقض الصلح (إن علم) المدعي (ببينته) الشاهدة له بحقه وصالح المدعى عليه المنكر (ولم يشهد) حال صلحه أنه يقوم بها إذا حضرت
إذا كانت بعيدة جداً. وأما القريبة أو البعيدة متوسطاً فليس له نقضه أشهد أو لم يشهد
ــ
والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي عند الإنكار بتقدير نكول المدعى عليه أو حلفه فيسقط جميع الحق المدعى به، فهذا ممنوع عند الإمام جائز عند ابن القاسم وأصبغ. ومثال ما يمتنع على دعواهما: أن يدعي عليه بدراهم وطعام من بيع، فيعترف بالطعام وينكر الدراهم ويصالحه. على طعام مؤجل أكثر من طعامه أو يعترف بالدراهم ويصالحه بدنانير مؤجلة أو بدراهم أكثر من دراهمه، حكى ابن رشد الاتفاق على فساده ويفسخ لما فيه من السلف بزيادة والصرف المؤخر. ومثال ما يمتنع على دعوى المدعي وحده: أن يدعي عليه بعشرة دنانير فينكرها ثم يصالحه على مائة درهم إلى أجل، فهذا ممتنع على دعوى المدعي وحده للصرف المؤخر، ويجوز على إنكار المدعى عليه لأنه إنما صالحه على الافتداء من اليمين الواجبة عليه، وهو ممتنع عند مالك وابن القاسم وأجازه أصبغ إذ لم تتفق دعواهما على فساد. ومثال ما يمنع على دعوى المدعى عليه وحده: أن يدعي بعشرة أرادب قمحاً من قرض، وقال الآخر: إنما لك علي خمسة من سلم وأراد أن يصالحه على دراهم من ونحوها معجلة، فهذا جائز على دعوى المدعي، لأن طعام القرض يجوز بيعه قبل قبضه ويمتنع على دعوى المدعى عليه لعدم جواز بيع طعام السلم قبل قبضه، فهذا ممتنع عند مالك وابن القاسم. اهـ. من الأصل بحروفه.
ولكن الحق أن الشروط الثلاثة إنما هي معتبرة في الصلح على الإنكار فقط وأما على السكوت فالشرط فيه جوازه على دعوى المدعي كما رجحه في الـ "مج" وفي حاشية الأصل.
قوله: [وهذا داخل فيما تضمنه قوله بيع]: أي في قوله: وهو على غير المدعى به بيع.
قوله: [جمعتها في قولي موانع الصلح] إلخ: هذان البيتان من البسيط.
قوله: [جهل]: أي بالمصالح به أو بالمصالح عليه.
قوله: [حط]: أي حط الضمان وأزيدك.
وقوله: [ضع]: أي وتعجل.
قوله: [ونسا] أي ربا نساء.
وقوله: [تأخير صرف]: أي صرف مؤخر.
قوله: [وتسليف بمنفعة]: أي سلف جر نفعاً.
قوله: [بيع الطعام بلا قبض]: أي بيع طعام المعاوضة قبل قبضه.
قوله: [تحظى بمعرفه]: أي تظفر بمعرفة تلك الموانع.
قوله: [ولا يحل الصلح]: أي بمعنى المصالح به سواء كان مأخوذاً أو متروكاً. وظاهر أن الصلح لا يحل للظالم، ولو حكم له حاكم يرى حله للظالم، وهو الموافق لقول خليل في القضاء: "ورفع الخلاف لا أحل حراماً".
قوله: [فلو أقر الظالم منهما]: أي بالحق. وحاصله: أن الظالم إذا أقر ببطلان دعواه الصلح - كما إذا أقر المدعى عليه أن ما ادعى عليه به حق أو أقر المدعي ببطلان دعواه - كان للمظلوم وهو المدعي في الأولى والمدعى عليه في الثانية نقض ذلك الصلح.
قوله: [أو شهدت له] إلخ: هذا مقيد بأن يقوم له على الحق شاهدان؛ فإن قام له شاهد واحد وأراد أن يحلف معه لم يقض له بذلك، قاله الأخوان وابن عبد الحكم وأصبغ ونقله ابن ناجي في شرح الرسالة. اهـ (بن).
قوله: [أو صالح ووجد وثيقة بعده]: أي فحكم الوثيقة حكم البينة التي له القيام بها. والفرض أن الوثيقة إما بخط المدعى عليه أو فيها ختم قاض ثقة وإن ماتت شهودها أو توقفت شهادة الشهود عليها.
قوله: [ولا بد من تقديمها على الصلح]: أي لقول ابن عرفة: وشرط الاسترعاء تقدمه فيجب ضبط وقته. وشرطه أيضاً إنكار المطلوب ورجوعه بعد الصلح إلى الإقرار وإلا لم يفد - كذا في الأصل. ومحل