للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما غير الطعام بطعام فيجوز نقداً أو مؤجلاً إذ لا محذور في ذلك، واحترز بقوله: "غير المعاوضة" من طعام المعاوضة؛ فلا يجوز الصلح عنه بحال لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه. وشبه في الجواز مسألة: "وعلى بعضه هبة وإبراء" بقوله: (كمائة دينار): أي كما يجوز الصلح بمائة دينار (ودرهم) مثلاً (عن مائتيهما): أي عن مائة دينار ومائة درهم، لأن المدعي ترك من حقه تسعة وتسعين درهماً، وسواء عجل المصالح به أو أجل إن كان عن إقرار. فإن كان عن إنكار جاز إن عجل لا إن أجل إذ لا يجوز على ظاهر الحكم كما يأتي.

(و) جاز الصلح بشيء (على الافتداء من يمين) توجهت على المدعى عليه المنكر، ولو علم براءة نفسه.

(لا) يجوز الصلح (بثمانية نقداً عن عشرة مؤجلة) لما فيه من: ضع وتعجل (و) لا (عكسه) لما فيه من: حط الضمان وأزيدك (ولا بدراهم عن دنانير مؤجلة و) لا (عكسه).

وذكر علة المنع في المسائل الأربع على سبيل اللف والنشر المرتب بقوله: (لضع وتعجل) في الأولى (وحط الضمان وأزيدك) في عكسها. ويجوز رفع [١] "أزيدك [٢] " بتقدير المبتدأ أي وأنا، ونصبه بأن مضمرة بعد واو المعية (والصرف المؤخر) في الأخيرتين.

(ولا) يجوز الصلح (على تأخير ما أنكر) المدعى عليه؛ كأن يدعي عليه بعشرة حالة، فأنكرها المدعى عليه ثم صالحه على أن يؤخره بها أو ببعضها إلى شهر مثلاً؛ فإنه لا يجوز على ظاهر الحكم لما فيه من سلف بمنفعة؛ فالسلف التأخير والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي من المدعى عليه المنكر على تقدير ردها أو سقوط الحق من أصله إن حلف. وهذا هو قول الإمام وإليه أشار بقوله: (على الأرجح) ويقابله قول ابن القاسم وأصبغ بالجواز.

(ولا) يجوز الصلح (بمجهول) جنساً أو قدراً أو صفة، لأنه بيع وإجارة أو إبراء فلا بد من تعين ما صالح به.

ــ

على عرض أي: فيجوز الصلح بطعام مخالف لكن بشرط النقدية كما أفاده المصنف.

قوله: [وأما غير الطعام بطعام]: أي وأما الصلح على غير الطعام كثوب وحيوان بطعام إلخ.

قوله: [مسألة وعلى بعضه] إلخ: أي مثال مسألة إلخ.

قوله: [على ظاهر الحكم]: أي لأن الصلح على ذلك الوجه يؤدي لسلف من المدعي جر له نفعاً ووجه ذلك أن المائة دينار والدرهم المأخوذين صلحاً مؤجلان وتأجيلهما عين السلف منه؛ لأن المدعى به حال وقد انتفع هو بسقوط اليمين عنه بتقدير رد اليمين عليه إن نكل المدعى عليه.

قوله: [ولو علم براءة نفسه]: رد بذلك على ابن هشام في قوله إن علم براءة نفسه وجبت اليمين. ولا يجوز له أن يصالح لأربعة أمور: منها أن فيه إذلال نفسه وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أذل نفسه أذله الله» ومنها أن فيه إضاعة المال، ومنها أن فيه إغراء للغير، ومنها أن فيه إطعام ما لا يحل ورد بأن ترك اليمين وترك الخصام عز لا إذلال وحينئذ فبذل المال فيه ليس إضاعة له لأنه لمصلحة وأما الطعام غير الحرام فلا سبيل على المظلوم فيه {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} [الشورى: ٤٢] الآية. اهـ. قاله (بن) وجوازه فيما قبل المبالغة إنما هو باعتبار ظاهر الحال لما يأتي في قوله ولا يحل للظالم.

قوله: [لما فيه من ضع وتعجل]: هذا المثال شامل لكون الدين الذي في الذمة من عين أو غيره؛ لأن ضع وتعجل يدخل الجميع. وأما قوله: " ولا عكسه " يظهر فيما إذا كان الدين غير عين وغير طعام وعروض من قرض؛ لأن الأجل فيها من حق من هي عليه، فإن طلب دفعها في أي وقت له ذلك، وليس فيه حط ضمان عنه إنما يظهر في الطعام والعروض من قرض والعين مطلقاً علة سلف جر نفعاً فتأمل.

قوله: [وذكر علة المنع] إلخ: حيث كان المتن ذاكراً لها على طريق اللف والنشر المرتب فلا حاجة لذكر الشارح بعضها لأنه غير ضروري.

قوله: [ويجوز ارفع وأزيدك] إلخ: أي على حد انزل عندنا ونكرمك؛ لأن الفعل المضارع إذا وقع بعد واو المعية الواقعة بعد واحد من الأمور التي جمعها بعضهم بقوله:

مر وانه وادع وسل واعرض لحضهم ... تمن وارج كذاك النفي قد كملا

فإنه يجوز رفعه بتقدير المبتدأ ونصبه بأن مضمرة بعد واو المعية.

قوله: [في الأخيرتين]: أي وهما الدراهم عن الدنانير المؤجلة والعكس.

قوله: [فإنه لا يجوز على ظاهر الحكم]: أي وأما في باطن الأمر فإن كان الصادق المنكر فالمأخوذ منه حرام وإلا فحلال.

قوله: [ويقابله قول ابن القاسم]: حاصله: أنه يشترط في الصلح على السكوت والإنكار - ويدخل فيه الافتداء من اليمين ثلاثة شروط عند الإمام - وهو المذهب: أن يجوز على دعوى كل من المدعي والمدعى عليه، وعلى ظاهر حكم الشرع بأن لا يكون هناك تهمة فساد. واعتبر ابن القاسم الشرطين الأولين فقط وأصبغ أمراً واحداً وهو ألا تتفق دعواهما على فساد. مثال المستوفي للثلاثة: أن يدعي

عليه بعشرة حالة فأنكر أو سكت ثم يصالح عنها بثمانية معجلة أو بعرض حال، ومثال ما يجوز على دعواهما ويمتنع على ظاهر الحكم: أن يدعي عليه بمائة درهم حالة فيصالحه على أن يؤخره بها إلى أشهر أو على خمسين مؤخرة شهراً، فالصلح صحيح على دعوى كل لأن المدعي أخر صاحبه أو أسقط عنه البعض وأخره لشهر والمدعى عليه افتدى من اليمين بما التزم أداءه عند الأجل، ولا يجوز على ظاهر الحكم لأنه سلف بمنفعة، فالسلف التأخير


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (ارفع).
[٢] في ط المعارف: (وأزيدك).

<<  <  ج: ص:  >  >>