(إلا أن يقول) رب الحق لهم: (أيكم شئت أخذت بحقي، فله أخذ جميع الحق ممن شاء) منهم ولو كانوا حضوراً أملياء. (ورجع الدافع) للحق (على كل) منهم (بما يخصه) فقط (إن كانوا غرماء) لرب الحق أصالة؛ كأن اشتروا منه سلعة وضمن كل صاحبه، بأن قال لهم ما ذكر.
(وإلا) يكونوا غرماء بل كانوا حملاء على مدين (فعلى الغريم): أي فيرجع الدافع بما أدى لرب الدين على الغريم، ولا يرجع على أحد من أصحابه؛ لأن الموضوع أنه لم يشترط حماية بعضهم عن بعض.
(كترتبهم) في الحمالة، بأن ضمن كل منهم الغريم بانفراده واحداً بعد واحد، أو قال كل منهم: ضمانه علي، أو: أنا ضامن له، فلرب الحق أخذ حقه ممن شاء منهم ولو كان الجميع حاضرين أملياء، علم أحدهم بحمالة الآخر أم لا. ورجع الدافع على الغريم بجميع الحق الذي دفعه عنه، وليس له رجوع على أحد من الحملاء كما هو ظاهر.
(فإن شرط ذلك): أي حمالة بعضهم عن بعض - وهذا مفهوم قوله "ولم يشترط" إلخ - (أخذ كل) من الحملاء (به): أي بجميع الحق، سواء قال: أيكم شئت إلخ، أو لا إلا أنه إن قال: آخذ كلاً ولو حضر الباقي ملياً (ورجع) الدافع على من لقيه من أصحابه (بغير ما أدى عن نفسه بكل): متعلق برجع؛ أي يرجع بجميع (ما على الملقي) بفتح الميم وكسر القاف (ثم ساواه) فيما على غيره ممن لم يلقه إذا كان الحق عليهم، بأن كانوا غرماء؛ كثلاثة اشتروا سلعة بثلثمائة وشرط البائع حمالة بعضهم عن بعض فإذا لقي أحدهم أخذ منه جميع الحق. ثم إذا لقي الدافع واحداً من صاحبيه أخذ منه ما عليه وهي مائة، ثم يساويه في المائة الباقية بأن يأخذ منه أيضاً خمسين، ثم إذا لقي أحدهما الثالث أخذ منه خمسين، بل (ولو كان الحق على غيرهم): بأن كانوا حملاء عن غريم؛ (كثلاثة حملاء بثلثمائة) عن غريم اشترط ربها حمالة بعضهم عن بعض (لقي رب الحق أحدهم أخذ منه الجميع) أي الثلثمائة (فإن لقي) الغارم (أحدهما أخذه) بغير ما أدى عن نفسه وهي مائة فيأخذه (بمائة) وهي ما على الملقي (ثم) ساواه في المائة الثالثة التي على غير الملقي، فيأخذه (بخمسين) فرق المائة، فيكون كل منهما قد غرم مائة وخمسين. فإذا ألقى أحدهما الثالث أخذه بخمسين ثم كل منهم يرجع على الغريم بمائة. وقوله "ولو كان" إلخ: أي بناء على تأويل الأكثر. وقد علمت من جميع ما تقدم أن تعدد الحملاء فيه ثمانية صور؛ لأنه: إما أن يشترط حمالة بعضهم عن بعض أو لا، وفي كل إما أن يقول: أيكم شئت أخذت بحقي أو لا، وفي كل من الأربعة:
ــ
قوله: [إلا أن يقول رب الحق]: هذه المسألة التي تعدد فيها الحملاء من غير ترتيب صورها أربع: أولها: تعددهم ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض ولا أخذ أيهم شاء بحقه، فلا يؤخذ كل إلا بحصته. ثانيها: اشترط حمالة بعضهم عن بعض ولم يقل: أيكم شئت أخذت بحقي، فيؤخذ من وجد بجميع الحق إن غاب الباقي أو أعدم أو مات. ثالثها: اشترط حمالة بعضهم عن بعض، وقال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي، فله أخذ أي واحد منهم بجميع الحق ولو كان غيره حاضراً مليئاً. وللغارم في هاتين الصورتين الرجوع على أصحابه أو على الغريم. رابعها: تعدد الحملاء ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض، وقال: أيكم شئت أخذت بحقي، فيؤخذ أي واحد: بجميع الحق ولو كان غيره حاضراً مليئاً، وليس للغارم الرجوع على أحد من أصحابه بل على الغريم. وهذه الأربع حملاء غير غرماء ومثلها في الحملاء الغرماء: وسيأتي الشارح يصرح بحاصل ذلك.
قوله: [كترتبهم في الحمالة]: تشبيه فيما إذا كانوا حملاء غير غرماء ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض وقال لهم: أيكم شئت أخذت بحقي كما بينه الشارح قبل.
قوله: [كما هو ظاهر]: أي لكونه لم يكن بعضهم حميلاً عن بعض.
قوله: [إلا أنه إن قال]: أي أيكم شئت أخذت بحقي.
وقوله: [آخذ كلاً]: أي أي واحد، بخلاف ما إذا اشترط حمالة بعضهم عن بعض ولم يقل أيكم شئت إلخ فإنه يأخذ جميع الحق ممن وجده إن عدم غيره أو مات كما تقدم.
قوله: [بفتح الميم وكسر القاف]: أي اسم مفعول من الثلاثي وأصله ملقوي كمرمى ومبنى، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وقلبت الضمة كسرة.
قوله: [ثم إذا لقي أحدهما الثالث أخذ منه خمسين]: أي فكل يأخذ منه خمسين فيصير المأخوذ منه مائة هي التي عليه بالأصالة.
قوله: [أي بناء على تأويل الأكثر]: أي وأما على تأويل الأقل فيقاسمه في الثلثمائة على كل مائة وخمسون؛ لأنه يقول له إذا أديت ثلثمائة أنت حميل معي بها فيأخذ منه مائة وخمسين، فإذا ألقى أحدهم الثالث قاسمه فيما دفعه وهو المائة والخمسون فيأخذ منه خمسة وسبعين فرجع الأمر في المبدأ إلى توافق القولين، وإنما يختلفان في المنتهى. وتظهر أيضاً فائدة القولين فيما إذا غرم الأول مائة فأقل لعدم وجود غيرها عنده، فعلى قول الأكثر لا رجوع له على من لقيه بشيء إذ لا رجوع له بما يخصه، وعلى قول الأقل: يقاسمه فيما غرم. ولو غرم الأول مائة وعشرين لعدم وجود غيرها فعلى قول الأكثر: يأخذ من الملقى عشرة، وعلى مقابله: يأخذ ستين كذا يؤخذ من الأصل.
قوله: [ثمانية صور]: المناسب ثمان صور.