للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو عمر وهما ساكتان، (ففي): أي فالرجوع عليهما في (الذمة) لا في الغلة الحاصلة منها.

(و) قضى (بهدم بناء في طريق) يمر فيها الناس (ولو لم يضر) بالمارين، إذ لا حق له في ذلك مع كون البناء المذكور شأنه الضرر. وقد كثر ذلك في مصر، فكل من بنى أو جدد له بيتاً يزحف ببنائه أو بحانوته بسكة المسلمين حتى صارت الطرق ضيقة تضر بالناس كما هو مشاهد.

(و) قضى (بجلوس باعة بأفنية دور لبيع خف) لا إن كثر لما فيه من الضرر. واحترز بقوله: "لبيع" من جلوسهم للتحدث ونحوه فإنهم يقامون (و) قضى (للسابق) من الباعة للأفنية إن نازعه فيه غيره ولو اشتهر به ذلك الغير.

(كمسجد)

ــ

معدة للكراء، ثم إنها خربت واحتاجت للإصلاح فأقامها أحدهم بعد أن أبيا من الإصلاح ومن الإذن له فيه وقبل أن يقضي عليهم بالعمارة أو البيع، فالمشهور: أن الغلة الحاصلة لهم بالسوية بعد أن يستوفي منها ما أنفقه عليها في عمارتها إلا أن يعطوه النفقة، وإلا فيساويهم من أول الأمر، ومقابل المشهور ما روي عن ابن القاسم: أن الغلة كلها لمن عمر وعليه لشركائه كراء المثل على تقدير أن لو أكريت لمن يعمر. واستشكل الأول: بأن استيفاء ما أنفقه من الغلة فيه ضرر عليه لأنه دفع جملة وأخذ مفرقاً. وأجيب: بأنه هو الذي أدخل نفسه في ذلك إذ لو شاء لرفعهما للحاكم فيجبرهما على الإصلاح أو البيع ممن يصلح.

قوله: [أو عمر وهما ساكتان]: اعلم أن فروع هذه المسألة سبعة:

الأول: ما إذا استأذنهما في العمارة وأبيا واستمرا على المنع إلى تمام العمارة، والحكم: أنه يرجع بما عمر في الغلة.

والثاني: أن يستأذنهما فيسكتا ثم يأبيا حال العمارة.

والثالث: عكسه وهو أن يستأذنهما فيأبيا ثم يسكتا عند رؤيتهما للعمارة، والحكم في هذين الرجوع في الغلة كالأول.

والرابع: أن يعمر قبل علم أصحابه ولم يطلعوا على العمارة إلا بعد تمامها، سواء رضوا بما فعل أو لا والحكم في هذه أنه يرجع بما أنفقه في ذمتهم لقيامه عنهم بما لا بد منه لهم.

والخامس: أن يعمر بإذنهم ولم يحصل منهم ما ينافي الإذن حتى تمت العمارة.

والسادس: أن يسكتوا حين العمارة عالمين بها سواء استأذنهم أم وحكمهما كالتي قبلهما.

والسابع: أن يأذنوا له في العمارة ثم يمنعاه بعد ذلك، فإن كان المنع قبل شراء المؤن التي يعمر بها ثم عمر فإنه يرجع في الغلة وإن كان بعد شراء المؤن رجع عليهم في ذمتهم ولا عبرة بمنعهم له.

تنبيه: يقضى بالإذن في دخول جاره في بيته لإصلاح جدار من جهته ونحوه؛ كغرز خشبة أو أخذ ثوب سقط أو دابة دخلت. ويقضي أيضاً بقسمة الجدار إن طلبت. وصفة القسمة عند ابن القاسم: أن يقسم طولاً من المشرق إلى المغرب مثلاً، فإذا كان طوله عشرين ذراعاً من المشرق إلى المغرب في عرض شبرين مثلاً أخذ كل واحد عشرة أذرع بالقرعة، ولا يقسم عرضاً بأن يأخذ كل واحد منهما شبراً من الجانب الذي يليه بطول العشرين ذراعاً بأن يشق نصفه كما رأى عيسى بن دينار؛ فإن ذلك فساد إن كان بالقرعة. وأما بالتراضي فيجوز طولاً أو عرضاً إذا تراضوا على أن كل واحد يأخذ نصيبه من جهته ويقضى على الجار أيضاً بإعادة جداره الساتر لغيره إن هدمه ضرراً إلا لإصلاح أو هدم بنفسه فلا يقضى على صاحبه بإعادته، ويقال للجار استر على نفسك إن شئت.

قوله: [وقضى بهدم بناء في طريق]: أي نافذة أو لا ما لم تكن أصلها ملكاً له، بأن كانت داراً له وانهدمت وصارت طريقاً فله البناء ولا يهدم، وقيده بعضهم بما إذا لم يطل الزمان حتى يظن إعراضه عنها فليس له فيها كلام.

قوله: [باعة بأفنية دور]: حاصله أنه يقضى بجلوس الباعة بأفنية الدور بشروط أربعة: إن خف الجلوس ولا يضر بالمارة لاتساع الطريق، وأن تكون الطريق نافذة، وأن يكون جلوسهم للبيع. وباعة: أصله بيعة بفتح الياء: جمع بائع؛ كحاكة وحائك صاغة وصائغ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، وفناء المسجد كفناء الدور، والراجح جواز كراء الأفنية سواء كانت لدور أو حوانيت، فيجوز لصاحب الدور والحانوت أخذ الأجرة من الباعة الذين يجلسون كثيراً في فناء داره أو حانوته.

قوله: [كمسجد]: الظاهر أن المراد به المكان المعد للطاعة المباح ليشمل عرفة ومنى ومزدلفة، فحكمها حكم المسجد في التفصيل. فإن قلت: ما الفرق بين المسجد والسوق؟ حيث قلتم في المسجد: يقضى به للسابق ما لم يعتده غيره وفي السوق: يقضى به للسابق ولو اشتهر به غيره، مع أنه كلاً مباح ولكل مسلم فيه حق؟ قلت: الفرق أن المسجد وما في معناه مباح مرغب فيه يمدح التعلق به

<<  <  ج: ص:  >  >>