للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما عنده برئ منهما عند المازري ومن الأمانة فقط عند ابن رشد وهذا ظاهر إذا كان عليه دين وعنده أمانة، وأما إذا لم يكن عنده إلا أحدهما برئ منه.

(وعمل بالعرف وقوة القرائن) فإذا كان العرف مساواة "مع" لـ "علي" و "عندي"، برئ مطلقاً كما لو قامت القرائن على شيء من تخصيص أو إطلاق فإنه يعمل بها، والله أعلم.

(فصل)

في الاستلحاق وأحكامه

(الاستلحاق) في العرف (إقرار ذكر) لا أنثى فلا استلحاق لأم (مكلف) ولو سفيهاً خرج المجنون والمكره كالصبي (أنه أب لمجهول نسبه) ولو كذبته أمه لتشوف الشارع للحوق النسب لا لمقطوع نسبه كولد الزنا المعلوم أنه من زنى، ولا لمعلوم نسبه، ويحد من ادعى أنه أبوه حد القذف، إلا أن يقر بالزنا، فحد الزنا أيضاً.

وإذا أقر أن مجهول النسب ابنه لحق به الولد (إن لم يكذبه عقل لصغره) أي مدعي الأبوة (أو عادة) كاستلحاقه من ولد ببلد بعيدة جداً يعلم أنه لم يدخلها أو شرع (فلو كان) مجهول النسب المستلحق بالفتح (رقاً، أو مولى): أي عتيقاً (لمكذبه): أي لشخص كذب الأب المستلحق له (لم يصدق) مدعي أبوته؛ لأنه يتهم على نزعه من مالكه أو الحائز لولائه قال ابن القاسم في المدونة: من استلحق صبياً في ملك غيره فلا يلحق به إذا كذبه الحائز. اهـ. وظاهره: أنه لا يلحق به أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً. وقال فيها أيضاً: من باع صبياً ثم استلحقه به لحق به وينقض [١] البيع والعتق، وقال في موضع ثالث منها: من ابتاع أمة فولدت عنده فاستلحقه البائع أنه يلحق به وينقض البيع إن لم يقع عتق، وإلا مضى العتق والولاء للمبتاع. اهـ. فكلامه يخالف بعضه بعضاً في الثلاثة مواضع، ففهم الشيخ رحمه الله أن الأول يحمل على ما إذا لم يكن باع الولد ولا الأم وقوله: لا يلحق به، أي: في ظاهر الحال حتى ينزعه من المالك المكذب له، فمعنى: لا يلحق به: أنه لا يصدق في استلحقاقه [٢] حتى ينزعه من مالكه أو معتقه بنقض البيع أو العتق (لكنه يلحق به) باطناً (فيحرم فرع كل) منهما (على الآخر) عملاً بإقراره.

(وإن ملكه) مستلحقه بشراء أو غيره (عتق) الابن عليه (وتوارثا) توارث النسب.

(فإن صدقه) المالك أو من أعتقه نقض البيع والعتق وتم الاستلحاق،

ــ

الحد إلا أن يريد الستر على نفسه فإذا أراد ذلك كان له إبراؤه ولو بلغ الإمام.

تتمة: ظاهر النصوص أن البراءة تنفع حتى في الآخرة فلا يؤاخذ العبد عند الله بحق جحده وأبرأه صاحبه منه، وهو أحد قولين ذكرهما القرطبي في شرح مسلم، والقول الآخر: لا يسقط عنه مطالبة الله في الآخرة بحق خصمه. ولا يجوز للوصي أن يبرئ الناس من حق المحجور البراءة العامة، وإنما يبرئ عنه في المعينات. وكذلك المحجور بقرب رشده، ولا يبرئ وصيه إلا من المعينات ولا تنفعه البراءة العامة حتى يطول رشده كستة أشهر فأكثر. وكذلك لا يبرئ القاضي الناظر في الأحباس والمباراة العامة وإنما يبرئه من المعينات. وإبراؤه عموماً جهل من القضاة.

فصل في الاستلحاق

أتبع الاستلحاق بالإقرار بالمال لشبهه به وإن خالفه في بعض الصور فقوله: [في الاستلحاق]: أي في تعريفه، والمراد بأحكامه: مسائله.

قوله: [فلا استلحاق لأم]: أي اتفاقاً لأن الاستلحاق من خصائص الأب دنية ولذلك لا يصح الاستلحاق من الجد على المشهور. وقال أشهب: يستلحق الجد. وتأوله ابن رشد على ما إذا قال: أبو هذا ولدي، لا إن قال: هذا ابن ولدي، فلا يصدق.

قوله: [لمجهول نسبه]: يستثنى منه اللقيط فإنه لا يصح استلحاقه إلا ببينة أو بوجه كما يأتي في اللقطة.

قوله: [ولو كذبته أمه]: أي ولا يشترط أن يعلم تقدم ملك أم هذا الولد أو نكاحها لهذا المستلحق على المشهور، وقال سحنون: يشترط ذلك ابن عبد السلام وهو قول لابن القاسم ووجه الأول أنهم اكتفوا في هذا الباب بالإمكان فقط لتشوف الشارع للحوق النسب ما لم يقم دليل على كذب المقر.

قوله: [لصغره]: أي فلو كان صغير السن والمستلحق بالفتح كبيراً فإن ذلك يحيله العقل لما فيه من تقدم المعلول على علته.

قوله: [يعلم أنه لم يدخلها]: فإن شك في دخوله فمقتضى ابن يونس أنه كذلك، ومقتضى البراذعي صحة استلحاقه، ومن المستحيل عادة استلحاق من علم أنه لم يقع منه نكاح ولا تسر أصلاً فإن العادة تحيل أن يكون له ولد؛ لأن كون الولد إنما يكون بين ذكر وأنثى عادي لا عقلي ولذا قيل في قوله تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} [الأنعام: ١٠١] إن هذه حجة عرفية لا عقلية.

قوله: [فلو كان مجهول النسب] إلخ: مفرع على قوله أو شرع، وإنما كانت الرقية والمولية مانعاً شرعياً؛ لأنه يتهم على نزعه من مالكه أو مولاه كما يفيده الشارح.

قوله: [لأنه يتهم على نزعه] إلخ: اعترض بأنه لا يلزم من اللحوق نزعه من الرقية، إذ قد يتزوج الحر الأمة ويولدها، فالولد لاحق بأبيه ورقيق لسيد أمه، ولذا قال ابن رشد: الظاهر من جهة النظر قول أشهب باللحوق، بلى وقع مثله لابن القاسم في سماع عيسى، فكان ابن القاسم في قوله المشهور -وهو عدم اللحوق- رأى أن السيد قد تلحقه مضرة في المستقبل لو ثبت اللحوق، إذ قد يعتق هذا العبد ويموت عن مال فتقدم عصبة نسبه على سيده، فلتلك المضرة قيل بعدم اللحوق اهـ (بن).

قوله: [وظاهره] إلخ: لكن هذا الظاهر غير مسلم لما يأتي.

قوله: [حتى ينزعه من مالكه]: مفرع


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (وينقص).
[٢] كذا في ط الحلبي والمعارف، ولعل الصواب: (استلحقاقه).

<<  <  ج: ص:  >  >>