للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو عفا عنه المغصوب منه -بضرب أو سجن أو هما أو مع نفي؛ فإن الغاصب قد يكون مشهوراً بذلك، ذو بغي وطغيان وقد لا يكون كذلك، وقد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً، فالحاكم له النظر في ذلك، وقيل: إن الصبي المميز لا يؤدب لحديث: «رفع القلم عن ثلاث»، فذكر فيه «الصبي حتى يحتلم» ويرد بأن تأديبه لإصلاح حاله كما يؤدب للتعليم وكما يؤدب الدابة، لذلك فإن الصبي إذا قصد التخليط في القرآن أو غيره عمداً ولم يمتثل بمجرد النهي فلا شك أنه يؤدب لصلاح حاله، فكذا إذا غصب.

(كمدعيه): أي كما يؤدب من ادعى الغصب أو السرقة أو نحوهما. (على صالح) مشهور بذلك لا يشار إليه بهذا، وفي النوادر: إنما يؤدب المدعي على غير المتهم بالسرقة إذا كان على وجه المشاتمة أما على وجه الظلامة فلا. وأما مستور الحال فلا أدب على المدعى عليه. وهل يحلف ليبرأ من الغرم أو لا يمين عليه؟ قولان. وأما من يشار إليه بذلك ولم يشتهر به فلا أدب على المدعى عليه ويحلف ليبرأ، فإن نكل حلف المدعي واستحق، فإن اشتهر بالعداء بين الناس فإنه يحلف ويهدد ويضرب ويسجن، فإن استمر على جحوده ترك وإن اعترف بعد التهديد، فهل يؤخذ بإقراره أو لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال: قيل يؤخذ بإقراره مطلقاً، وقيل: إن عين الشيء المدعى به أخذ بإقراره وإلا فلا، والثالث هو المعتمد وقول ابن القاسم في المدونة: إنه لا يؤخذ بإقراره ولو عين الشيء لأنه مكره.

(وضمن) الغاصب المميز (بالاستيلاء) على الشيء الذي غصبه: أي بمجرده، ولو تلف بسماوي أو جناية غيره عليه؛ عقاراً أو غيره (ولو مات) حتف أنفه (أو قتل قصاصاً) إن جنى بعد الغصب فقتل عبداً مثله، وأما لو جنى على مثله فقتله قبل الغصب فاقتص منه بعده، فلا ضمان على الغاصب كما يفيده النقل، وهو ظاهر، (أو) قتل (لعداء) منه بحيث لا يمكن التخلص منه إلا بقتله، فيضمنه الغاصب.

(كجاحد وديعة) عنده من ربها ثم أقر بها أو قامت عليه بها بينة ثم هلكت ولو بسماوي، فإنه يضمنها لربها؛ لأنه بجحدها صار غاصباً.

(وآكل) من طعام مغصوب (علم) بأنه مغصوب فإنه يضمن لربه ما أكله ولربه الرجوع عليه ابتداء لأنه بعلمه بالغصب صار غاصباً (كغيره): أي كما يضمن الآكل غير العالم بالغصب.

(و) قد (أعدم المتعدي) أو لم يقدر على تضمينه لظلمه [١]، فإن كان الغاصب ملياً مقدوراً عليه بدئ بتغريمه، فإن أعسر كما أعسر الغاصب اتبع أولهما يساراً، ومن أخذ منه لا يرجع على صاحبه، وكلامنا أتم من كلامه.

ــ

قوله: [ولو عفا عنه المغصوب منه]: أي خلافاً للمتيطي حيث قال: لا يؤدب إذا عفا عنه المغصوب منه.

قوله: [وطغيان]: مرادف لما قبله.

قوله: [فذكر فيه الصبي حتى يحتلم]: أي والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ.

قوله: [فإن اشتهر بالعداء بين الناس]: قد ظهر لك أن الأقسام أربعة؛ لأن المدعى عليه بالغصب إما صالح، أو مستور حال، أو فاسق يشار إليه بالغصب ولم يشتهر به، أو مشهور بالغصب. أفاد الشارح أحكامها تبعاً ل (بن).

قوله: [فإنه يحلف ويهدد ويضرب] إلخ: محصل كلام الشارح تبعاً ل (بن) أن التحليف والتهديد والضرب والسجن متفق عليه والأقوال إنما هي في المؤاخذة بالإقرار وعدمها قال (بن) وقول ابن عاصم:

وإن تكن دعوى على من يتهم ... فمالك بالسجن والضرب حكم

لا يفيد شيئاً من ذلك يعني من تلك الأقوال، وإنما يفيد الضرب وما معه فهو كلام مجمل.

قوله: [بالاستيلاء]: أي يتعلق به الضمان بمجرد الحيلولة بينه وبين مالكه، وأما الضمان بالفعل فلا يتحقق إلا إذا حصل مفوت.

قوله: [عقاراً أو غيره]: هذا هو المذهب خلافاً لابن الحاجب من أن غير العقار لا يتقرر فيه الضمان بمجرد الاستيلاء، بل حتى ينقل.

قوله: [فقتله]: المناسب حذفه.

قوله: [كما يفيده النقل]: أي عن النوادر وقرر به ابن فرحون كلام ابن الحاجب. إذا علمت هذا فتوقف عب تبعاً للأجهوري والشيخ أحمد الزرقاني فيه لا وجه له فقول الشارح: وهو ظاهر، تورك عليهم.

قوله: [؛ لأنه بجحدها صار غاصباً]: أي حكمه حكم الغاصب في الضمان.

قوله: [وآكل]: بالمد اسم فاعل معطوف على جاحد.

قوله: [لأنه بعمله]: هكذا نسخة المؤلف بتقديم الميم على اللام، والصواب تقديم اللام على الميم.

قوله: [صار غاصباً]: أي حكماً من حيث الضمان.

قوله: [أي كما يضمن الآكل غير العالم بالغصب]: أي حيث كان ملياً والحال أنه قد أعدم المتعدي إلخ.

قوله: [فإن كان الغاصب ملياً] إلخ: محترز قوله: "أعدم أو لم يقدر على تضمينه".

قوله [فإن أعسر]: أي الآكل، وهو محترز ما تقدم من تضمين الآكل حيث كان ملياً والغاصب معدم.

قوله: [ومن أخذ منه لا يرجع على صاحبه]: أما إن كان الأخذ من الغاصب فظاهر أنه لا يرجع على الآكل؛ لأنه المباشر للغصب، وأما إن كان الأخذ من الآكل فحيث أكل الجميع أخذ منه الجميع وإن أكل البعض فبقدر أكله.

قوله: [أتم من كلامه]: أي لأن كلام


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (للظلمه).

<<  <  ج: ص:  >  >>